الوسيط التركي "
بقلم : محمد صالح رجب "
تكلفة باهظة دفعتها تركيا جراء سياستها في
المنطقة ، لم تكن الفاتورة التي دفعتها تركيا اقتصادية فحسب بل أن ثمنا سياسيا باهظا دفعته
خصما من رصيدها القيادي في المنطقة وأودى بها إلى عزلة خانقة ناهيك عن صورة
اردوغان الخليفة والمنقذ التي تهاوت في عيون ملايين المسلمين عبر العالم ، خلاف
تركيا لم يعد مع مصر فحسب بل امتد ليشمل
ليبيا وسوريا والعراق إلى جانب مشكلتها مع روسيا اثر إسقاط أنقرة لمقاتلة روسية
قيل أنها اخترقت الحدود التركية ، القيادة التركية في أكثر من مناسبة شددت على أنها
لن تقدم اعتذارا لروسيا بل أن على روسيا أن تقدم هي اعتذارا لتركيا عن خرق مجالها
الجوي ، القيادة التركية أيضا وصفت قادة إسرائيل بالقتلة وان أياديهم ملوثة
بالدماء ، إلا أن الساعات القليلة الماضية شهدت انقلابا برجماتيا في السياسة
التركية فبعد الإعلان عن مصالحة مزمعة مع إسرائيل تتضمن دفع تعويضات لضحايا
السفينة مرمره وتأكيد تركيا بأن صالح العاروري المتهم بقتل الإسرائيليين الثلاثة،
صيف عام 2014 لم يعد موجودا في تركيا، ولن يعود إليها ، وتعهدها بمنع حماس من
استخدام أراضيها كقاعدة للعمليات ضد إسرائيل أعلن ديمتري بيسكوف المتحدث الإعلامي
للكرملين أن الرئيس اردوغان قدم اعتذارا لروسيا عن إسقاط مقاتلة روسية قرب الحدود
السورية .
تراجع القيادة التركية عن مواقفها السابقة
جاء بعد تعيين رئيس الوزراء الجديد بن علي يلدرم
خلفا لداود أحمد اوغلو ، وجاء تحت وطأة الخسائر الاقتصادية والسياسية التي
منيت بها جراء توتر علاقاتها الدولية وازدياد وتيرة العمليات الإرهابية في العمق
التركي ، تركيا الآن باتت أكثر انفتاحا على العالم وأكثر استعداد لتغيير سياستها حتى في سوريا ولكن
بدون الأسد .
لكن كيف لتركيا أن تدير شبكة العلاقات
الدولية هذه وسط تعارض المصالح وتقاطع السياسات بين تلك الدول ، كيف لها على سبيل
المثال أن تحتفظ بعلاقات وطيدة مع واشنطن وروسيا في ذات الوقت ؟ كيف لها أن تحتفظ
بعلاقات طيبة مع إيران دون أن تغضب دول الخليج وإسرائيل ؟ كيف لها أن تحتفظ
بعلاقات مع إسرائيل من جهة وحماس وإيران من جهة أخرى ؟
لا يمكن لتركيا أن تستمر طويلا في الحفاظ
على علاقات مميزة مع هذه الدول ذو المصالح المتعارضة ، إلا إذا قدمت نفسها كوسيط ،
هي تستطيع أن تقنع دول الخليج وإيران أن بإمكانها أن تكون وسيطا لتقريب وجهات
النظر بينهما ، كما تستطيع أن تقدم نفسها كوسيط بين حماس وإسرائيل بل انه في خطوة
لاحقة تعد تركيا نفسها للعب دور الوسيط بين الدولة المصرية ومعارضيها لاسيما
الإخوان ، فهل تنجح القيادة التركية في لعب هذا الدور؟ وهل سيكون على حساب ادوار
قيادية لدول أخرى في المنطقة ؟ هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القليلة القادمة ..