https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2806160846132942&set=a.786329388116108&type=3&theater
دياب.. قصة بقلم : محمد صالح رجب
انتابته نوبة ضحك هستيرية حين سمع اعترافات زوجته، كل من سمع تلك الاعترافات كان له رأي دياب.. وتبدأ القصة لأيام مضت، حين شعر دياب بوعكة صحية تطلبت مراجعة الطبيب وعمل بعض التحاليل والفحوصات، والتي كانت نتيجتها صادمة، جعلت دياب يجلس في بيته منكسرا تعج غرفته بالزائرين..
نظر دياب إلى الفراغ المحيط، تسلق بنظراته جبال الهم الشاهقة، تسمرت عيناه باتجاه السقف. هبط ببصره إلى الغرفة المكتظة بالحضور، عيناه الجاحظتان تعيد المسح والتخزين، بينما تلتقط أذناه ندب العيون النائحة.. وعلى بقايا حطامه يعود و يستسلم لقدره، يهمس لنفسه، مؤكد أنني أحسن حالا من غيري.. حسنا فعل الطبيب حين أخبرني أن شهورا عدة تفصلني عن الموت، أربعون عاما منذ قدمت إلى الدنيا انتظره، لا أعرف متى ولا أين، الآن هو من ينتظرني، هي فرصة لأودع أحبابي، لأتطهر من ذنوبي، لأغتسل من خطاياي، فرصة لأطلب السماح من زوجتي عما أتذكره من خيانات، وأرد ما اغتصبته من حقوق، فرصة لأرتاد المساجد وأتقرب إلى الله.. إنها فرصة ذهبية لتعرف عيناي طعم الدموع ندما وتطهرا.. شهور عدة وقت قليل مقارنة بما اقترفته يداي من آثام، عليّ إذن أن أسابق الزمن، من الغد سأغادر رقدتي هذه، سأتمرد على تعليمات الطبيب، لن استسلم لحالة الإحباط التي تملكني، سأشرع في رحلة التطهر، لن التفت إلى اعتراض زوجتي ولا دموعها. في الغد، بعد موعد الطبيب، سأذهب بها إلى الشهر العقاري، سأكتب لها توكيلا، سأجعل له ذمتها المالية المستقلة، لطالما طالبتني أن تشاركني ملكية الأراضي التي اشتريتها وهي من ساهمت فيها بإرثها الكبير، كانت تخشى أن أتزوج عليها، تخشى أن أتخلى عنها بعد أن جردتها من أموالها، الآن تبكيني وتتوسل إلي وتمنعني أن اذهب، فأنا عندها كما تقول أهم من كنوز الدنيا، لن أرضخ لها، لم تقف الحواجز أمامي وأنا أدهس الأرض بقوة، اغترف من كل شئ دون اعتبار لأي شئ، في رحلة العودة لن اسمح أيضا لأحدٍ أن يمنعني، لن ارضخ لزوجة أخي ولا لبناته اللاتي يجلسن من حولي، تفيض دموعهن حزنا عليّ، نسوا كل شئ، سامحوني، دعواتهم تصلني فتزيد من أوجاعي، كيف طوعت لي نفسي أن أسطو على حقوق أخي الأصغر؟ مات أبي وتصرفت في كل شئ كأنه ملك خاص لي، خاطبني أخي على استحياء حين همَّ بالزواج، ساعدته وكأني اتفضل عليه، ولم يفعلها بعد، مرات كثيرة سمعتها من زوجته بعد مماته، كانت تذكرني بأطفاله الأيتام، ولا يحرك في الأمر شيئا، فقط كنت اقسم بأغلظ الأيمان أنه حصل على كل حقوقه..ذاكرتي وكأنها تجرعت شيئا من المنشطات، تتذكر تباعا آثامي، إنها تبدوا كسراب، كلما تذكرت منها شيئا وظننت أنه الأخير إذا بها تذكرني بأخرى وكأن حياتي كانت سلسلة متصلة من الآثام.. فترت همته للحظة حين تذكر أصحاب الحقوق الذين رحلوا وأولئك الذين هاجروا، تساءل في نفسه: كيف السبيل إليهم؟ لكنه عاد إلى عزمه، سيصل إلى كل من يستطيع الوصول إليه ومن لم يستطع الوصول إليه سيتصدق عنه..
في الصباح كان بصحبة زوجته في المستشفى بين يدي الطبيب، كان الطبيب باشّاً هذه المرة، هو أيضا كان هادئا مطمئنا إلى أن حدثه الطبيب معتذرا عن خطأ غير مقصود، اضطرب ولم يستوعب، تساءل عما قاله بداعي أنه لم يفهم، كرر الطبيب اعتذاره قائلا: ثمة خطأ، لقد اسُتبدلت التحاليل الخاصة بك بتحاليل مريض آخر، انت معافى تماما.. تساءل: والموت الذي ينتظرني!
رد الطبيب بهدوء: الأعمار بيد الله..
لم يكن يعرف أيقبله أم يقتله، بعد لحظات تيه قصيرة حسم أمره وقبله، احتضن زوجنه بعنف، لم يتذكر الشهر العقاري ولم تشأ زوجته أن تذكره، كانت تريد له أن يكون هكذا، سعيدا، لكن عندما علمت بعد أيام قليلة أنه في الطريق للزواج بأخرى، اعترفت له، أخبرته أن الموت بانتظاره، وأن ما أخبره به الطبيب كان بالاتفاق معها، لكنه لم يصدقها، تلقى اعترافاتها بمزيد من الضحك وكغيره ممن سمعها، وضع اعترافاتها تحت بند "غيرة ستات "..
محمد صالح رجب - كاتب مصري