الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

المقال الممنوع من النشر ( في ذكرى فض رابعة .. " بقلم : محمد صالح رجب ")

في ذكرى فض رابعة .. " بقلم : محمد صالح رجب "

لاشك انه يوم حزين في تاريخ مصر أن تسال كل تلك الدماء فهي في النهاية دماء مصرية أغلبها لشباب في مقتبل العمر، كان يمكن لهم أن يسهموا في صنع مستقبل أفضل للبلاد ، ولا قلب لمن لم يتأثر بتلك الدماء ،والمشاهد الصعبة التي وثقتها التقنيات الحديثة ، ورغم أن فض اعتصامي النهضة ورابعة  وضع حدا لمأساة كادت تحل بمصر والمنطقة إلا أن التكلفة العالية للفض جعلتنا نبحث جادين في أسباب ارتفاع تلك التكلفة ، ومن يتحمل فاتورة تلك الدماء، وهل كان بالإمكان تجنب تلك الدماء أو على الأقل الحد منها ؟.
بعد متابعة وتحليل لكثير مما نشر وقتها وما حملته المواقع والفضائيات يمكن للمرء أن يتبين أن الإدارة السيئة لقادة جماعة الإخوان المسلمين والكبر الذي تعاملوا به مع الأزمة ساهم بشكل كبير في زيادة فاتورة الدماء التي دفعت في فض اعتصامي رابعة والنهضة ، لقد تعاملت الجماعة بمنطق "إما كل شئ أو لا شئ"، بل أضافت لمطالبها المندرجة تحت ما أسمته الشرعية من عودة الرئيس المعزول محمد مرسي وعودة مجلس الشورى ودستور2012 مطالب أخرى جديدة منها ضرورة محاكمة من أسموهم قادة الانقلاب وعلى رأسهم السيسي ، بالتأكيد هذه المطالب الغير واقعية أدت إلى الصدام وما نجم عنه من دماء ، كان بالإمكان مع إدارة أفضل لتلك الأزمة والرجوع خطوة واحدة للخلف أن نحقن كل هذه الدماء أو على الأقل كثيرا منها ، وأن تحتفظ الجماعة بمكتسبات عديدة منها ضمان مشاركتها الكاملة في الحياة السياسية من جديد واحتفاظها بأعضائها الذين خرجوا عنها ومؤيديها الذين تخلوا عنها بعد الأحداث ، إضافة إلى استمرار احتفاظها بشي غموضها وهيبتها ، بل أكثر من ذلك انه في ظل هذا الحشد الكبير لو أن قادة الجماعة آثروا المصلحة العليا للوطن وأعلنوا أن تراجعهم خطوة للوراء هو حقنا للدماء وإعلاء للمصلحة العليا للوطن ، لاكتسبت الجماعة احترام الجميع ، لكن غياب الرؤية لدى تلك القيادة وتعاملها بكبر مع فكرة الوطن ، باعتبار الجماعة اكبر من الجميع بما فيه الوطن ، وأيضا خوف البعض منهم على مكتسباته الشخصية جعل الرهان كبيرا على استمرار هذا الحشد بهذا الزخم واستغلاله أقصى استغلال ممكن للحصول على كل شئ ..
ومع علم قادة الجماعة أن قرارا بالفض قد اتخذ ، إلا أن الجماعة ظلت على عنادها وعلى تثبيت المتظاهرين في الميدان بكل الوسائل، وتعالت الأغاني التي تحضهم على الثبات ، وتمادى صفوت حجازي وغيره من قادة الميدان بتحد الشرطة ووزير الداخلية تحديدا في فض الاعتصام ، بل انه مساء يوم الفض وبشهادة البعض علم قادة الإخوان بموعد الفض ومع ذلك لم يتخذوا خطوات لحماية المتظاهرين سوى مزيد من التمترس وتثبيت المعتصمين بل وارهبوا من يفكر في الخروج من الاعتصام بإعلانهم أن كل من يحاول الخروج هو عميل وجب القبض عليه ومحاسبته، كانت الجماعة تهدف من وراء هذا الحشد بخلاف الضغط على النظام القائم للتراجع عما أسمته انقلابا أن تتخذ من المعتصمين دروعا بشرية في محاولة لمنع فض الاعتصام أو الاستفادة من الدماء التي حتما ستنجم عن عملية الفض والمتاجرة بها وخلق ما يعرف بـ "المظلومية " .
وقد دأبت الجماعة على استخدام العديد من الوسائل لتثبيت المتظاهرين بالميدان ورفع روحهم المعنوية على مدى ما يقرب من شهرين ، وتنوعت تلك الوسائل من تحد للشرطة وإبراز قوة المتظاهرين والبث بداخلهم استحالة اقتحام الميدان كما ظهر هذا جليا في خطابات صفوت حجازي وغيره ، إلى تسريب الإشاعات عن اقتراب سفن أمريكية من الشواطئ المصرية مرورا بالأحلام من قبيل نزول جبريل عليه السلام برابعة  أو تقديم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرسي لإمامة الصلاة  ، وبينما كانت تهدف إشاعة اقتراب السفن الأمريكية إلى توصيل رسالة للمتظاهرين أنهم ليسوا وحدهم ، استهدفت إشاعة نزول جبريل طمأنة المتظاهرين أنهم على الحق ، ومن وسائل تثبيت المتظاهرين التي دأب عليها قادة الميدان الوعود الكاذبة من قبيل عودة الرئيس مرسي غدا أو اليوم الفلاني أو ما شابه ، وكانت تشعل حماس المتظاهرين وتعطيهم الأمل ومزيدا من التماسك .
لقد كان لإلباس الخلاف السياسي ثوب الدين دورا كبيرا في تثبيت المعتصمين من خلال إيهامهم أنها حرب تشن على الإسلام ، وليس أمامهم إلا الشهادة أو النصر ، فاستعد المعتصمون بالأكفان ولم يستثن من ذلك حتى الأطفال ، بل أن كثيرا منهم كتب وصيته قبل أن يقدم نفسه فداء للإسلام ، حتى قادة الميدان أعلنوها صراحة أنهم جاهزون للشهادة ومتوضئون ومغتسلون وأنهم لن يسمحوا بفض الميدان إلا على جثثهم ، وحذروا السلطات أن الفض سيعني آلافا من الجثث ، بما يعني أنهم كانوا يدركون مسبقا أن آلاف المعتصمين سيموتون ومع ذلك لم يتخذوا أي إجراء لمنع ذلك سوى مزيد من التشدد .
لقد فشل قادة الإخوان في إدارة تلك الأزمة فشلا ذريعا وتسببوا في إهدار تلك الطاقات ، وإسالة تلك الدماء ، كان عليهم أن يفهموا أن دولة بحجم مصر ما كانت لتسمح بوجود مثل تلك البؤرة لتكون نواة لتنظيم مسلح أو دويلة داخل الدولة ، وأن الفض لا منا ص منه ، وأنه آت لا محالة إن عاجلا أو آجلا ، وبالتالي كان عليهم حسن استغلال هذا الحشد لا سيما أن الدولة كانت مستعدة في تلك اللحظة لقبول مالا يمكن أن تقبل به الآن .
وإذا كنا نحمل قادة جماعة الإخوان المسلمين جانبا كبيرا من المسئولية عن ارتفاع تكلفة الفض ، فهذا لا يعني أبدا تبريرا للقتل خارج القانون ولا يجب أن يكون ،وإن كان هناك من مخطئ فليعاقب بالقانون ، كما انه من غير اللائق أن يجعل البعض من هذا اليوم عيدا رغم انه خلص مصر والمنطقة من كارثة محققة ، فالدماء التي سالت في هذا اليوم هي في النهاية دماء مصرية ، وختاما نود أن نؤكد من جديد انه يجب على قيادات وشباب الإخوان ممن لم يتورطوا في أعمال عنف ودماء أنه لا سبيل لهم للعودة إلا بمراجعات حقيقية تشمل نقاطا عدة من بينها المواطنة واحتكار صحيح الدين ، وعليهم سرعة إجراء تلك المراجعات للحاق بركب العمل الوطني ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق