السبت، 23 نوفمبر 2019

قراءة في "الحور العين تفصص البسلة" لـ صفاء النجار - محمد صالح رجب - جريدة الرأي

في مجموعتها القصصية "الحور العين تفصص البسلة"، الصادرة عن دار روافد" تشتبك الكاتبة Safaa Elnagar مع مجتمع لا يزال ينتقص من المرأة ويعتبرها كيانا هامشيا.. استخدام "الحور العين" المستقى من مقدس وهو القرآن والسنة والمرتبط بالأذهان بجمال وكمال لا نظير لهما مع باقي العنوان وهو "تفصص البسلة" كان موقفا للغاية. كأني بالكاتبة تريد أن تعترض وتقول، أن مخلوقا بهذا الجمال والكمال والسمو كرمه خالقه وهو الأعلم به لا يليق بها أن تُجتزئ وظيفتها في تفصيص البسلة أو بمعنى أخر لا يجب أن تُجتزئ وظيفتها في الحياة على الخدمة ولو كانت لأقرب الأقربين..
من هذا المدخل ومن عتبة النص الأولى تشتبك الكاتبة مع المجتمع بموروثاته التي تنال من المرأة وتعتبرها كيانا هامشيا بالمخالفة مع تعظيم الله لها، وعبر 15 قصة تعرض لنا مشاهد من هذا الامتهان والانتقاص وتستفز ما بدواخلنا من قدسية عبر استخدام "الحور العين" الذي ربما لم يستخدم قط إلا في القرآن والسنة إلى احترام المرأة.، بل ان ثمة مقارنة ملفتة بين وضعي المقدس ف السماء وحين يهبط إلى الأرض..فالأديان كما كل مقدس في السماء حين هبطت إلى الأرض امتهناها، والمرأة التي هي حور العين في السماء، امتهناها على الارض .. في قصة" الأميبا " وحين تصف مظاهر رقة الله لحالها تقول: " منحها ساقين رخاميتين، ومؤخرة مرمرية ، وترك الصدر والبطن كما نحتهما الملاك، وسيكون على البنت حين يتفتح نوار ثدييها أن تؤدي كل صباح تمرين ضغط الكرة للحائط ثلاثين مرة، وتمرين شد البطن عشرين مرة فقط، وكانت هذه التمارين صلاتها الدائمة التي تعبر عن امتنانها العميق للحظات التي يتدخل فيها الرب ليحميها.." ربما لم يكن عفويا هذا الترتيب التصاعدي، من الساقين صعودا الى الثديين، هذا الترتيب الذي يشي بالارتقاء والمكانة العالية نعمة من الله تستوجب الشكر والعمل عندما تصبح مكلفة ، حين تبلغ ويتفتح نوار ثدييها فتلجأ إلى تلك التمارين التي هي بمثابة صلاة شكر لله الذي يتدخل ليحميها... ورغم أن البعض ـ انتقاصاـ يريد لها أن تكون كالأميبا بلا شكل محدد إلا أنها تقاوم و لا تكترث لنظراتهم المتلصصة المستنكرة وتخرج بثقة بجسدها كما باركه الرب.
- وفي قصة "في انتظار ما قد أتي" قدمت متوالية ثلاثية تفوح منها رائحة مرحلة سياسية بعينها تقدم فيها تيار الاسلام السياسي صدارة المشهد، بدأت المتوالية بتوصيف لتلك التنظيمات التي لا تقبل غريبا بينهم حتى ولو كانت الشمس والعتمة ولا حتى سيدات عجائز ليس بينهم وبين الله حجاب وهنا مفارقة مدهشة فتلك العجائز بينها وبين الله عمار في حين ان كثيرا من تابعات هذا التيار يحول حجابهن بينهن وبين الله... وفي ختام تلك المتوالية ينبت الريش من خلف القيود إيذانا بالانعتاق إلى الحرية، ورغم قسوة الاقتياد والترهيب بعشرات الطيور المعلقة المصعوقة تمردت وفردت جناحيها صوب الحرية.
3- وفي نصي : في انتظار ما قد اتي" و " في انتظار من قد يأتي" رغم التشابه الكبير بين عنواني القصتين غير ان مسافة شاسعة بينهما، ففي الأولى استخدمت الكاتبة " ما" بما تعنيه أن القادم غير آدمي، في حين استخدمت في الثانية "من" بما تعنية أن القادم آدمي، في الأولى استخدمت الماضي "أتى " بعد قد بما يفيد التأكيد ، فكسر القيود والانعتاق طيرا باتجاه الحرية قد بدأ بالفعل، في حين استخدمت المضارع "يأتي" بعد قد بما يعني ان القادم المخلص لا يزال احتمالا غير مؤكد.
الايقاع المؤلم الحزين يستمر في نص "الايام التي لا تطيب" فثمة شيء ما ناقص، مبتور، والقطارات التي تعود خالبة من ضحكات الصحاب، ومن عناق ايدي العشاق الصغار، والسيدة لا تزال نائمة لا تمتلك ارادة حركتهاإنما تتحرك وفق صانع احلامه..
- وفي العطية " ظلت روحها تطوف وفي آخر الليل تعود إلى دير العذرا بجبل الطير تحمي المنبوذين الذين تودعهم دموع دامعة، وتبعد عنهم القوارض والذئاب الجائعة، ثم جاءت حسونه واسقته حتى ارتوى الزمار لأول مرة وبعد موته لم تعد تخشى من ثرثرته وهذيانه..
- وفي نص "ومن أحياها.." يتواصل سحق حور العين ، التي أفنت عمرها ف الطاعة وجسدها في القيام والقعود واكتسبت مالها من النقوش وفك الألغاز لكنها لا تعرف فيما أنفقته لأن الانفاق لم يكن بيدها. ومن قلب الإنسحاق وتلقي الصدمات، ثمة دعوة لعدم الموت، فالموتى العائدون لا يكونون في كامل لياقتهم كي يرقصوا التانجو او الهيلاهوب، هم على اقصى تقدير يصفقون حين ينتهي العرض المسرحي.
في هذا العمل حافظت على ذات المستوى من الاجادة والعمق، بل وحافظت على الخط الواصل بين نصوص المجموعة فبدت مترابطة يكمل بعضها بعضا في اتجاه الهدف المرسوم وهو الانتصار للمرأة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق