الأحد، 3 ديسمبر 2017

صفقة مع التطرف " بقلم : محمد صالح رجب "

صفقة مع التطرف  " بقلم : محمد صالح رجب "
تأخرنا كثيرا في مواجهة التطرف، انتظرنا حتى اقتحم علينا الإرهاب بيوتنا، رأينا التطرف ينمو ويترعرع أمام أعيننا ولم نحرك ساكنا، إنها المصالح التي جعلتنا نغض الطرف عنه حتى استوحش وصار ذئبا ينهش الجميع حتى أولئك الذين غضوا الطرف عنه..
تحدث كثيرون عن فساد الأنظمة السابقة وعددوا مآخذهم عليها، لكن ظني أن المأخذ بل الجريمة الأعظم هي تماهي السلطات مع الخطاب المتطرف طيلة السنوات الماضية، الأمر الذي جعل له قاعدة كبيرة بعد أن تُركت له الساحة يرتع وحيدا، فاستقطب الآف الشباب بحماسهم وغيرتهم على الدين والأوطان.
الدولة لاسيما في ظل الحقبة المباركية لم تكن تواجه خطاب التطرف لأنه لم يكن يقترب من سوءاتها، لم يكن يقترب من الفقر والمرض والجهل، لم يكن يقترب من ملف حقوق الإنسان والحريات، بل أنه كان يدعو علنا في كثير من الأحيان إلى ولي الأمر، ولا مانع من انتقاد بعض الأمور هنا أو هناك لذر الرماد في العيون، إنها صفقة غير مكتوبة، سنترككم مقابل عدم التحريض علينا وكشف عوراتنا، يا لها من صفقة رابحة لهم!! اسعدوا، امرحوا يا أهل السلطة، لن يزعجكم أحد، لن نكشف عوراتكم، بل سنواريها نيابة عنكم، سنساعد المحتاجين ونداوي المرضى ونفتح مدارسنا، وعلى الفقراء سنوزع الصدقات والزكاة التي سمحتم لنا بجبايتها، سنطبطب على الغلابة، سنستقطب المهمشين، سنستوعب الناقمين، كوارثكم سنقول أنها ابتلاءات من الله للتمحيص، أنصبر أم نجزع؟ سنربط على قلوبهم بالآيات والأحاديث، فالآخرة خير وأبقى، والدنيا دار ابتلاء، سنجهزهم لما عند الله في الآخرة، الدنيا هي محطة للآخرة، وآجالها وإن طالت قصيرة، ونعيمها وإن عظم قليل، ونحن فيها عابري سبيل، سنجعلهم عجينة في أيادينا لنبعدهم عن التفكير في عوراتكم، تعروا يا أهل السلطة كيفما شئتم، فمهما كانت عوراتكم نحن لها. فتزداد العورات في ظل خفوت صوت من يفضحها، ويفر الناس إلى هؤلاء ظنا أنهم يحتمون بالدين ويفرون إلى الله.. لتتسع الرقعة، ويزداد المرتبطون بهؤلاء، فيبتزون بهم الدولة بمزيد من غض الطرف لتتسع الدائرة اكبر واكبر.
 لم تفكر الدولة وسلطاتها وقتها أن هؤلاء قنابل موقوتة، لأنهم باتوا مؤمنين بهؤلاء، أياديهم كانت أكثر حنوا عليهم من يد الدولة الباطشة.
يحسب للقيادة الحالية أنها وضعت حدا لتلك الصفقة بناء على رغبة المصريين في 30 يونيو، غير أن تطهير الجرح بعد تلك العملية الصعبة يتطلب يدا حانية من الدولة وسد الذرائع وملء الفراغ حتى لا يتسلل فلول التطرف إلينا، ونعيد الكرة من جديد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق