الأحد، 25 فبراير 2018

أشيــاء منســية - محمد صالح رجب - جريدة المساء


http://www.almessa.net.eg/main_messa.asp?v_article_id=182014#.WpO2jK4jTIU

أشيــاء منســية
2/3/2015 1:23:21 PM

بقلم : محمد صالح رجب
   
كان غريبا أن تجلس تلك السيدة وحدها في ذلك المكان المخصص للعشاق . أسندت ظهرها لتلك الأريكة الخشبية في مواجهة النهر . فردت رجليها . وأغمضت عينيها في استرخاء تنشد راحة جسدها المنهك وتنفض عن كاهلها بعضا من ركام السنين..
شعرت بنسمة طرية تلفح وجهها . استنشقت الهواء بعمق . وكأنها تستبدل ذلك المخزون التالف بداخلها.. انتشاءة تسيطر عليها تستدعي إلي شفتيها بسمة غائرة بأعماقها.. إنها لم تبتسم منذ زمن بعيد.. فتحت عينيها تطالع النهر . ترقب العشاق . لمحت بائع الفل وهو ينادي علي بضاعته . هفت نفسها إلي عقد من الفل.. آثارَها أن يمر أمامها دون أن يعرض عليها الشراء مثل الأخريات.. هدأت من نفسها وهي تحاول أن تجد له مبررا.. امرأة في عقدها الرابع ترتدي عباءة سوداء بالية وتجلس وحيدة وسط هؤلاء الشباب والشابات بملابسهن الغالية وعطورهن الفواحة وأجسادهن الفوارة وأنفاسهن اللاهثة.. معه كل الحق.. هكذا حدثت نفسها.. ومع ذلك قررت أن تستجيب لنداء بداخلها قد ألح عليها.. دعته . ودون أن تفكر في قيمته اشترت عقدا من الفل.. راحت تستنشق رائحته . تشعر بخدر جميل .. شعرت بأنها عادت سنوات طويلة إلي الوراء . تذكرت يوم أن اشتري لها ذات مرة عقدا من الفل . كان ذلك أيام الخطوبة.. كانا يمشيان سويا علي الكورنيش كهؤلاء. تترك أذنيها لكلماته الهامسة . تحلق بها إلي عنان السماء.. هناك بالقرب من النجوم . يرسمان سويا كيف يدخلان الجنة وماذا يفعلان. يومها كانت تري خضرة الجنة وتستنشق عطرها.. رائحة الفل تنعشها . يومها اشتري لها عقدا من الفل وطوق به عنقها. وأسمعها كلمات ليست كالكلمات . لكنه لم يفعل ذلك مرة أخري . بل انه رحل عنها بعد سنوات قليلة من الزواج . وتركها وحدها مع ثلاثة من الأبناء تصارع أمواج الحياة.. عَلِقت في ترس الدنيا تدور دون توقف.. وأفنت شبابها في الدروب والطرقات . تتنقل من مهنة لأخري حتي استقرت علي العمل في البيوت. ووزعت وقتها بعناية.. اليوم كان موعدها مع الست فيفي التي تقطن في تلك البناية الشاهقة المطلة علي النيل . ذهبت في الموعد لكنها لم تجدها.. اتصلت عليها . قالت : إنها سوف تتأخر نصف ساعة.. وقت غير كاف لأذهب إلي بيتي وأعود هكذا همست لنفسها.. مشت باتجاه الكورنيش . جلست علي تلك الأريكة الخشبية في مواجهة النهر . تريح جسدها هذه الدقائق وتنفض عنها غبار السنين ..
انتبهت إلي أن الوقت قد مر سريعا . هبت مهرولة إلي عملها . ونسيت عقد الفل علي الأريكة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق