http://sootelshab.com/%D9%86%D9%85%D8%B7-%D9%85%D8%AE%D8%AA%D9%84%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%AD-%D8%B9/
نمط مختلف في بناء رواية المرشد ..”البوح عن المسكوت عنه” للروائي المصري محمد صالح رجب رؤية نقدية للقاص والروائي السيد شليل
اعتبرته جماعة الإخوان مدسوسا عليهم، يعمل مرشدا للأمن، واعتبره الأمن إرهابيا، وبين هذا وذاك عاش “حسين” مأساة وطن.
محمد صالح رجب، كاتب سياسي وقاص مصري، عضو اتحاد كتاب مصر، صدر لها أربع مجموعات قصصية .. “المرشد” هي تجربته الروائية الأولى وفيها يفتح الملف السري للإخوان كما يعري جانبا من الانتهاكات داخل السجون المصرية، ” المرشد” ليست مجرد رواية وإنما أيضا وثيقة تستحق القراءة والاقتناء..
وصدرت رواية ” المرشد” عن دار الآدهم للطباعة والنشر ويتناول الأديب محمد صالح رجب فترة مهمة ومؤلمة من تاريخ مصر الحديث حيث رصد فيها الكاتب عدة أحداث حقيقية كانت سببا قويا وفاعلا لحدوث ثورة شعبية .
عندما تسلقت بعض حركات الإسلام السياسي مناصب هامة وخطيرة في العمل القيادي عندما سطى الإخوان المسلمون على الحكم.
وقبل الغوص في بنية العمل الروائي الذي قرأته عدة مرات حتى تستطيع أن أقف على أرضية مشتركة أحكم من خلالها على جودته لابد لنا أن نستعرض جزءا من بداية النص لكي نستكشف من خلاله عوالم الكاتب التي رصد من خلالها أحداث العمل”
الثلاثاء أول يوليو 2014 وزارة الداخلية – القاهرة ..
توقفت الحركة والأحاديث الجانبية ووقف السادة الضابط حين دخل اللواء محمد الفنجري مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات، استقر خلف مكتب فخم في تلك القاعة الفخمة بابتسامته العريضة المميزة، أشار إليهم بكلتا يديه أن تفضلوا، استريحوا.. عَدل الميكروفون كعادته قبيل أي حديث، ثم حياهم.. حضرات السادة الضباط . صباح الخير عليكم جميعا..
تلقى تحيتهم مجتمعة، ثم نظر إلى الوجوه المشرئبة المترقبة التي دعيت إلى هذا الاجتماع والذي لا يعرفون عنه سوى الزمان والمكان، ستة عشر قيادة أمنية برُتَب مختلفة من مختلف المحافظات دعيت لاجتماع في مبنى وزارة الداخلية في التاسعة من صباح اليوم الثلاثاء الأول من يوليو لعام 2014 دون أن يعرف أي منهم سَبَب الاجتماع..
نظر اللواء محمد إلى الوجوه المترقبة، انتظر قليلا ربما لِشد انتباههم قبل أن يتحدث قائلا:
في البداية انقل لكم تحيات السيد الوزير وتمنياته الطيبة لكم، ثم واصل:
– أكيد بتسألوا عن سبب هذا الاجتماع.. بعضكم مؤكد ربط بين حضوري وطبيعة الاجتماع، والحقيقية قبل أن أتحدث إليكم عن سبب الاجتماع أود أن أتحدث في نقطة معينة ستكون مدخلا لموضوع الاجتماع..
النهاردة مفيش أوامر، مفيش رتب، فقط، فيه حياة مدنية، لمدة 5 ساعات تقريبا، بمعنى أننا سنرفع التكليف بنا وبين بعض في هذه الساعات الخمس، كان ممكن نعقد الاجتماع ده في مكان آخر، لكن وجدنا من الأفضل أن يكون هنا، في وزارة الداخلية نفسها، أتعرفون لماذا ؟”
نستطيع أن نقول أن رواية المرشد رواية الفضح والتعرية وأيضا التأريخ لهذه المرحلة المهمة جدا والتي لن ينساها الناس لما كان لها من أثر سيء عليهم.
عندما قرأت هذه الرواية للمرة الأولى كنت مشفقا جدا على كاتبها لأنه اختار موقف الراصد للأحداث بحيادية تامة وهو محق في هذا الاختيار حتى لا يكون مقحما على العمل الروائي ولكن في مثل هذه الأحداث السياسية الوطنية لا يغفر لك القارئ حيادتيك فيشعر بأنك لا تملك موقفا واضحا كونك مواطنا تنتمي إلى هذا الكيان الموجوع.
تبدأ أحداث الرواية داخل وزارة الداخلية مع اللواء محمد الفنجري الذي يجتمع ببعض القادة من الضباط ويبدأ بعرض سبب الاجتماع بهم وهو توقف الأوامر العسكرية لمدة خمس ساعات خلالها يقرؤون رواية لشاب مصري عمره ثلاثون عاما من الرواية”
– هناك رواية لشاب مصري، هذه أول رواية يكتبها، الرواية مش بتتهمنا فقط بالتقصير، لأ، دي بتتهمنا بانتهاك أدمية المواطن، من الآخر الرواية بتشوط فينا جامد، لذلك صادرنا الرواية من أيام، ليس هذا فحسب وإنما استدعينا الكاتب، هو شاب بسيط عمره 30 سنة تقريبا ،من أسرة بسيطة، ملوش نشاط سياسي بارز، لكنه قارئ جيد للإحداث كما بدا من تعليقاته وكتاباته، حين استدعيناه كان واضحا، تحدث معنا بصراحة متناهية، تحدث أن صديقا له هو بطل قصته، وأنه تأثر بما حدث له فكتب تلك الرواية.. أفرجنا عن الرواية وأطلقنا سراح الكاتب سريعا بعد إعادة تفكير، فلم نعد في زمن المنع، ولسنا في حاجة إلى أن نصنع منه بطلا..
طرق الروائي محمد صالح رجب مناطق روائية لم تطرق من قبل عندما خلع عن الجانب العسكري قوانينه وتحويله للجانب المدني محدث مفارقة وداعما لفكرة التحرر مما جعله يستثمر الخمس ساعات في قراءة رواية الشاب المتهم من خلال لغة حوارية سلسة ل>لك أشفقت عليه لوقوعه في دائرة الحيادية والتي لن يغفرها له القارىء وخصوصا في المواقف الوطنية يتعرض الكاتب إلى إتهام معلن.
عندما عرض الأحداث التي حدثت بالفعل وكان لها واقع الغضب والتمرد من خلال المهندس المصري عندما اعتبره التنظيم السياسي الإسلامي مدسوسا عليه واعتبرته الحكومة المصرية إرهابيا تم خطفه وغسل مخه ومن ثم تجنيده خارج الوطن حتى يقوم بأعمل إجرامية تساعد على تشويه وزعزعة الموقف السياسي ما جعل المسؤولون يحاولون تجنيده فيصبح عميلا مزدوجا في قالب سلس بسيط مغلف بلغة هادئة.
“بدا كمن يساق إلى المشنقة، تتدلى ساقاه وهما يجرانه من عضديه. يسحبانه ويعلقا يديه مفرودتين إلى لوح أفقي وساقاه متباعدتان ومثبتتان. هم لا ريب يصلبانه، لقد رأى هذا المشهد مرارا، لكنه لم يتوقع يوما أن يكون أحد أبطاله. ضربات قلبه تتسارع، يعود قليلا بالذاكرة إلى الوراء، إلى أيام مضت لم يعد يعلم عددها، ويتذكر أنواع العذابات التي شهدها منذ جِيء به إلى هذا المكان.. عندما نزل من السيارة ركل بالأقدام من نفر غير قليل، كل يسلمه للآخر بقدمه أو بعصا غليظة كان ممسكا بها، يحاول أن يهرب من أحدهم فيصطدم بالآخر. كانوا متراصين على جاني الطريق بشكل منتظم، وعلى مسافات متقاربة، بدوا وكأنهم مدربون على هذا الأمر أو اكتسبوا خبرة في ذلك. ثم صُفِعَ على قفاه لأول مرة في حياته، لم يفعلها أبوه، ولم يسمح لأحد قط أن يضربه على قفاه. كان كالصعايدة في هذا الأمر، يعتقد أن الضرب على القفا منتهى الإهانة، وقد أهين كثيرا، لكن يبدو أن نظرته كانت ضيقة، فالضرب على القفا لم يكن منتهى الإهانة كما كان يعتقد، بل لم يكن إهانة من أصله بجانب أشياء أخرى يحتفظ بها لذاته ويخجل أن يعرف بها أحد غيره، كان يبكي طويلا كلما تذكرها.. لم يكن هذا فحسب، بل أوثقوا يديه وقدميه في عصا مسنودة إلى كرسيي خيزران يتدلى كما الخروف فوق النار في حفل شواء ثم ينهالوا عليه ضربا.. أصناف شتى من العذاب عرفها منذ قدم إلى هذا المكان، لكنه لم يتعرض للصلب من قبل. يبدو أنه كتب عليه أن يتذوق كل أصناف العذاب. خجل من نفسه حين باغتته رغبة ملحة في الضحك سرعان ما أجهضها في مهدها، لكنه مع ذلك راح يتهكم على نفسه في داخله، لم يكن في حاجة هذه المرة لمن يسخر منه، بل هو ذاته راح يسخر من نفسه، يسخر من عبطه وسذاجته.. عاد إلى نفسه سريعا مع أول سوط وقع على ظهره، صار يزعق هو الآخر ويشارك الآخرين الألم. رجلان يتبادلان الضرب على ظهره بتناغم شديد”
الجميل في العمل الروائي المرشد هو لغته التي يستطيع كل فئات الشعب التواصل معه لأنهم بالفعل كانوا جزءا منه حيث سلط الكاتب الضوء على الحياة السياسية العسكرية من خلال بعض الانتهاكات التي كانت تحدث من بعض القيادات وكشف الروائي عن جوانب معتمة في كيفية تجنيد وصنع إرهابيا دون التزايد أو التهليل لكيان على حساب الآخر
تعد رواية المرشد رغم أنها العمل الأول للروائي المصري محمد صالح رجب ، رواية ماتعة تمتلك عدة عوامل لنجاحها أهمها اللغة وتناول كل جوانب الشخصيات المعروضة داخل العمل في قالب جديد على الرواية المصرية والعربية.
في مشهد مهيب يخلع القلوب كان ” حسين ” مسجى على خشبة طولية في غرفة ضيقة وقد أحاط به بعض الأخوة وقد شرعوا بإجراءات الغسل. طقوس وجهد كبير بذلته الجماعة لإضفاء الصبغة الدينية على العملية وتثبيت حسين ومن معه على أن عمليتهم هذه إنما هي لله ونصرة لدينه، ونصرة الدين ليست بالدعوة فقط وإنما بالدعوة والجهاد، ” كتاب يهدي وسيف ينتصر”، ونحن الآن ننتصر بالسيف ليس لسارة وحدها وإنما لعشرات مثلها، ننتصر ونقتص ممن قتل الأطفال واغتصب النساء وهدم المساجد وقتل الساجدين وضيق على المسلمين وحارب الله ورسوله..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق