الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم، هي بالتأكيد ليست كتابا مقدسا، وليست قالبا جامدا إما نأخذه كما هو أو لا نأخذ به على الإطلاق، وهي وحدها بالتأكيد ليست ضمانة لسعادة الشعوب وتقدمها، ومع ذلك يروج الغرب لها بل ويخوض حروبا من اجل نشرها في العالم باعتبارها الحل السحري لهذه الشعوب وضمانة للحفاظ على الحريات وحقوق الإنسان. فما الفائدة التي تعود على الغرب من نشر الديمقراطية في العالم؟ وهل رقت قلوبهم لفقراء العالم، فراحت تبحث عن مصالحهم وهي التي نهبت ثرواتهم واستعبدتهم بشكل مباشر إبان الاستعمار أو بشكل غير مباشر بالترغيب والترهيب الذي نرى الآن؟ من المؤكد أن نشر القيم الغربية في العالم الثالث تصب في مصلحة الغرب، الأقوى، والذي يستطيع أن يفرض هيمنته من خلال نشر ثقافته تلك وبأقل كلفة ممكنة، فالغرب إذن لا يبحث عن مصلحة تلك الشعوب قدر بحثه عن مصلحته، يظهر ذلك جليا في الانتقائية والمعايير المزدوجة في تعامله مع الدول بشأن تلك الملفات، ففي حين يضغط الغرب على مصر مثلا في ملف الديمقراطية والحريات يصاب بالخرس أمام دولة مثل قطر وغيرها من الدول التي ارتضت بقواعد عسكرية أمريكية، في كوريا الجنوبية مثلا وهي الحليف القوي لأمريكا، تأمر المحكمة الدستورية بحل الحزب التقدمي المتحد وإبطال عضوية نوابه الخمسة في البرلمان وتعتقل الدولة" لي سوك " زعيم الحزب، ولا نسمع وقتها صوتا غربيا قلقا على الديمقراطية. حقوق الإنسان كانت غائبة عن العراق حين ارتكبت الجرائم بحق العراق وشعبه إبان الغزو الأمريكي والذي لم يجلب الديمقراطية والحرية إلى العراق بقدر ما جعلها مرتعا للإرهاب ومأوى للإرهابيين، حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة لم تؤرق ضمائر هؤلاء الذين يبحثون عن الديمقراطية والحريات.. الأمثلة كثيرة عن تسييس تلك الملفات من خلال الانتقائية والمعايير المزدوجة في التعامل مع الدول بشأن تلك الملفات، ورغم رفضنا لفرض النموذج الغربي في الديمقراطية علينا أو الضغوط والابتزاز باسم الديمقراطية والحريات تبقى حاجتنا ماسة إلى الديمقراطية باعتبارها أحد أهم أشكال الحكم التي توصلت إليها البشرية بعد كثير من التجارب والعناء، فهي على الأقل تضمن إمكانية تغيير الحاكم دون الحاجة إلى الثورات والتي ما يصاحبها عادة دماء وخراب، ومن ثم وجب علينا نحن المصريون ونحن على أبواب استحقاق ديمقراطي هام وهو الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها في مارس القادم،أن نمارس هذا الحق دون الالتفات إلى الضغوط والابتزاز الخارجي، علينا أن نمارس الديمقراطية حتى ولو بالقدر الذي تسمح به ظروف المرحلة وأن نبتكر حلولا لما يعترينا من عقبات، " الممارسة" قادرة تدريجيا على أن تفرز لنا نموذجا يتلاءم معنا ويمكن الشعب من المشاركة بشكل أكبر في الحكم وصنع القرار. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق