الأحد، 16 يونيو 2019

قراءة في قصص محمد صالح رجب " ضد الكسر ".. بقلم: سمية عودة

قراءة في قصص محمد صالح رجب "ضد الكسر".. بقلم: سمية عودة



في مجموعته القصصية "ضد الكسر" الصادرة عن دار الأدهم في عام 2015، اختار محمد صالح رجب زاوية مميزة هي في الغالب محاولة لاسترجاع بعض مشاهد الماضي من خلال ضمير المتكلم أو ضمير الغائب، ومن ثم يتولد الإحساس بالدراما عند المقابلة بين حدثين أو شخصين أو لحظتين أحدهما ماضية عميقة متجذرة في اللاوعي ولحظة آنية حاضرة بكل مقوماتها.
المجموعة في أغلبها انتصار للمرأة بدا ذلك من عتبة النص الأولى؛ في اختياره للاسم والذي يرفض انكسار المرأة ومن غلاف المجموعة الذي حمل صورة لامرأة ترفض الانكسار، لها عين واحدة شامخة مليئة بالتحدي، رغم المعاناة بغياب العين الأخرى.وايضا في ذلك الاهداء الذي خص به ابنته "ايمان" التي وصفها بالزهرة التي عطرت حياته. أغلب النصوص حملت مشاكل وهواجس وأنات المرأة في مراحل عمرية مختلفة، الصبية التي لم يتجاوز عمرها عشر سنوات رفضت الانكسار في نص "عروسة وعريس" رغم الألم الذي صاحب تجربتها، الأمر ذاته حدث للراقصة الشابة في "عرايا"، والتي رفضت أن تنكسر أمام قسوة مجتمع لا يشبعه الا العرايا، ولم تستسلم الشابة في "شق القمر" وانتفضت في وجه الظلم والتهميش، وفي نص "وجع" ظلت الأم صامدة رغم مرارة الفقد والفقر وعبء المسؤولية، مرارة الفقد كانت حاضرة ايضا وبقسوةفي نص "رائحة المطر"، تلك الرائحة التي تجعل الأرملة، ميسورة الحال، تبتسم رغم الألم وتدمع رغم الفرح، حيث ارتبط المطر ورائحته في ذاكرتها بلحظات السعادة والفقد معا..
  واستمرت نصوص المجموعة تنتصر للمرأة على هذا المنوال، فترفض الشابة الانكسار في نص "فستان زفاف " رغم الألم، الشيء ذاته فعلته الجدة التي تحتضر في نص " ضد الكسر".. وتلك الصرخة المدوية التيعَرَّت وهتكت صمت المجتمعوالتي اطلقتها الشابة في نص "صرخة " عند موت الأم المقهورة .
انتصار الكاتب للمرأة في نصوص المجموعة امتد من الطفولة الى الممات، فتناولها طفلة وشابة وعروس وأم ومطلقة وأرملة وجدة ومتوفاةوأيضا حمل قائمة بكثير من قضاياها من قبيل: الزواج المبكر والعنوسة والفتور في العلاقات الزوجية والسمنة والتمييز والتهميش وغيرها من الموضوعات.
لم تخلو المجموعة من نص أو أكثر يشير الى زمن المجموعة، ظهر ذلك في نص "رائحة الخبز" الذي رصد أحداث ثورة يناير 2011 وإن لم يشر اليها صراحة،لكنه ارتباط الزمان بالمكان، فالمكان المتمثل في ميدان التحرير المكتظ بالمتظاهرين وبكاميرات التلفاز، افصح عن الزمان. ورغم أن " رائحة الخبز" شَكَّل أحد نصين لم يذكر فيهما المرأة إلا أنهما ارتبطا ارتباطا وثيقا بها وشكلامع باقي النصوص مضمونالرسالة التي أراد الكاتب أن يرسلها، وإذا كانت "رائحة الخبز"تشي أن المجموعة كتبت في أعقاب ثورة يناير، حيث كانت المرأة هدفا لسهام بعض ممن تصدروا المشهد في ذلكالوقت، فإن نص " الشيخ مجدي" الذي خلا هو الآخر من ذكر المرأة يشير على استحياء إلى هؤلاء البعض الذين استهدفوا المرأة ومكتسباتها التي ناضلت من أجلها كثيرا.
جاء السرد في المجموعة تلقائيا ومتدفقا في جمل رشيقة مكثفة وتليغرافيه، وبلغة سلسلة، تخلو من الأخطاء الإملائية و تتناسب مع شخوص المجموعة وبيئتها، معظم النصوص بعيدة عن كل ما هو غريزي؛الذاكرة في المجموعة تجاهد من أجل الوصول إلى لحظة النقاءفتساهم في إماطة اللثام عن جوانب مظلمة من حياة المرأة وتسليط الضوء على قضاياها.وكما كانت المرأة هي المحور الرئيسي للحدث في معظم القصص نجدها هي المحرك الرئيسي أيضا للدراما في باقي القصص، مثل ( وفاء ) و( الأستاذ محمدين ).
كان رائعا أن ينتصر قلم ذكوري للمرأة كما حدث في تلك المجموعة، وفي تلك القراءة ينتصر قلم نسائي لتلك المجموعة ولكاتبها الذي أجاد التعبير عن هموم ومشاكل المرأة، هكذا الأدب، إنساني، والإنسانية تستوي عند الرجل والمرأة..

"سمية عودة "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق