الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

مقتطفات من رواية المرشد - محمد صالح رجب

 


- هكذا الحب لا يطرق بابا، إنما يندفع ويطيح بكل الحواجز ليستوطن القلوب، فيحدث ألمه تلك اللذة المتفردة..

#المرشد

#محمد_صالح_رجب


رغم جراح الحب نبحث عنه بأيدينا، وكأننا نبحث عما يؤلمنا.

#المرشد

#محمد_صالح_رجب


كل النساء جميلات حتى القبيحات منهن لها مذاقها الخاص، القبيحة تتغلب على شعورها بالنقص بجهد مضاعف تبذله لمنح الرجل لذة قد لا يشعر بها مع الجميلات

#المرشد

#محمد_صالح_رجب


ألا ترى أن إجبار الناس على الصلاة يفقدها أهم العناصر،" النية"؟!

#المرشد

#محمد_صالح_رجب


الإجبار يفقد الحرية في الاختيار

#المرشد

#محمد_صالح_رجب


 - - أهي: لا أكراه "في" الدين أم "على" الدين؟ ألا تعتقد أن " في الدين " تعني أنه لا أكراه في أي أمر من أمور الدين؟ ولو شاء ربك أن يقصرها على مجرد الدخول في الدين لقال " لا أكراه "على الدين"..

#المرشد

#محمد_صالح_رجب


في لحظة واحدة أراد كل المهمشين أن يتخلوا عن مواقعهم دفعة واحدة، الأمر الذي لا يتحمله أي اقتصاد، فكانت تلك القلائل التي نرى.

#المرشد

#محمد_صالح_رجب


وكانت الجماعة تتعمد أن تحتفظ بصور وفيديوهات وحتى مستندات كوسيلة ابتزاز قد تحتاج إليها وقتا ما..

#المرشد

#محمد_صالح_رجب




قبل أي اجتماع يُتْرَك الهاتف خارج القاعة بمسافة معينة، وأحيانا يتطلب الأمر نزع بطارية الهاتف.

#المرشد

#محمد_صالح_رجب

الخميس، 15 أكتوبر 2020

لم يعد يدهشهم شيء.. رواية شالوشا - محمد صالح رجب

https://www.facebook.com/PublishingRwafead/posts/10163921852995023 


لم يعد يدهشهم شيء، لا شيء اسمه مستحيل، كل الخوارق يمكن أن تحدث، لو قابل عطية زميل دراسته لن يكذبه مرة أخرى وهو يخبره أن النعش طار بالميت وعبر به النيل.. لن يكذب زميله في المتحف حين كانا يتحدثان سويا عن تهريب الآثار وقص عليه أن أحدهم اشترى المساخيط ووضعها في حقيبة سيارته بعد أن دفع قيمتها، وحين وصل إلى بيته وفتح حقيبة سيارته لم يجد شيئا، وبالسؤال قيل له أن المساخيط كالحمام، تعود إلى موطنها مرة أخرى.

" شالوشا " - مكتبة الجامعة - أبو ظبي

 https://www.picuki.com/tag/%D8%B4%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B4%D8%A7



#شالوشا ..👌✔ #محمد_صالح_رجب ..🖋 . . في ذلك النهار الذي ينفث قيظه في كل اتجاه، وكأنما يتخفف من أحماله قبل أن يحل الليل، تسرب اليأس إلى جوانحه، النقمة تركت أثرها في جبينه المقطب ووجهه المكفهر. راح يتسكع، لا يعرف إلى أين يتجه، يتنقل بين المقاهي، تقذفه الشوارع الملتهبة، تبتلعه الحواري والأزقة، الوجوه تتشابه، الانكفاءات هي ذاتها، لا شيء هنا يخضع للمنطق، وحدها العشوائية تخضعك لأعرافها، تمشي تائها، فاقد الإحساس، تتجنبك الأشياء.. شيء ما بداخلك يصرخ، يدفعك للتمرد، تترك الأرض التي أدمنت النظر إليها، تتأمل كل شيء.. صراع الألوان على واجهات البنايات المكفهرة، الوجوه الواجمة، أعمدة الإنارة، لوحات الدعاية.. لكن شيئاً ما بداخلك لم يتغير، يزداد تمردك إلى ما هو أبعد، تفكر في شيء لم تقدم عليه قط، غير أن الأشياء تتداعى، وحده شيء ما ظل صامدا، يغريك بفعله، فتفعل.. تتناول رواية شالوشا قصة شاب خريج آثار، ناقم على فقره ومعيشته، يحلم بالثراء والسيادة، وفي رحلته المثيرة بحثا عن حلمه والتي تنقل فيها بين الماضي السحيق والحاضر، واجه أحداثا تفوق الخيال . . ⭐⭐⭐⭐ #أحدث_إصدارات_2020 📒📑📓📕📖📔📚📙📘📗📜📰📓📕 #الكتب_الأكثر_مبيعا #dubai #abudhabi #sharjah #fair #book #books #bookstagram #university #school #enjoy #life #bookstore #unitedarabemirates #uae #follow #comment #instagram #instagood #reading #learning #education #uae



الخميس، 1 أكتوبر 2020

"التظاهر حق مشروع ولكن.." بقلم: محمد صالح رجب

 https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/10/01/533849.html

"التظاهر حق مشروع ولكن.." بقلم: محمد صالح رجب

التظاهر حق مشروع كفله الدستور وفق ضوابط حددها القانون للتعبير عن الرأي وإيصال رسائل لمن يهمه الأمر، لكن التظاهر في بلادنا كثيرا ما ارتبط بالعنف والتعدي، فلا تخلو مظاهرة من التعدي على الحقوق وإتلاف وتخريب الممتلكات ولربما سقط فيها ضحايا بين مصاب وقتيل. هذا الأمر مرده إلي نقص الثقافة، واعني بها هنا "ثقافة قبول الآخر"، القبول بالآخر تعني أنك لن تفرض رأيا، تعني أنك سوف تحترم حق الآخر في عدم التظاهر ولن تقطع طريقا أو تمارس عنفا أو تعرقل حياته الطبيعية أو تؤثر على أعماله وأرزاقه أو تؤذيه جسديا ومعنويا بسلوك ما. حين تصل إلى تلك الثقافة وقتها حدثني عن الحق المشروع في التظاهر. في مصر على سبيل المثال ـ حتى بين النخب ـ يحتكر الكثيرون الحقيقة الكاملة، رأيهم صواب لا يحتمل الخطأ وعلى الجميع الانصياع لهم. رأيت ذلك كثيرا، بل وكنت في أحيان كثيرة شاهدا على ذلك، رأيت أناسا اعتلوا الشاشات والمنابر وصدعونا عن الحريات لكنهم سقطوا أمام أول اختبار وطردوا مخالفيهم الرأي من جنانهم.

سوء استخدام حق التظاهر جعل منه حقا سيء الصيت يصيب أغلب المصريين بالرعب لمجرد أن يتناهي إلى أسماعهم وجود مظاهرة هنا أو هناك. أظن أن علينا أن نغير من ثقافتنا باتجاه احترام الآخر قبل أن نتحدث عن الحق في التظاهر، وإذا كانت الغاية من هذا الحق هو إيصال رسائل إلى من يهمه الأمر فتلك الرسائل يمكن أن تصل بسهولة الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنها لا تخلو هي الأخرى من العنف والتعدي لكن هناك بالإمكان أن تتجنب ذلك بوسائل عدة  كالحظر وإلغاء المتابعات.
#محمد_صالح_رجب

الثلاثاء، 5 مايو 2020

جماليات المكان في رواية "سيدة الزمالك" لأشرف العشماوي"- محمد صالح رجب - المجلة الثقافية الجزائرية


https://thakafamag.com/?p=36904


جماليات المكان في رواية "سيدة الزمالك" لأشرف العشماوي" - بقلم: محمد صالح رجب
المكان الروائي ليس مجرد حيز هندسي أو جغرافي وإنما يتخطى ذلك إلى أبعاد أخرى عديدة. ولأهمية المكان باعتباره أحد أهم عناصر الرواية، والعنصر الذي يؤسس الحكي لأنه يجعل القصة المتخيلة ذات مظهر مماثل لمظهر الحقيقة كما قال هنري متران، فقد أولاه أشرف العشماوي اهتماما وعناية بالغين في كتاباته عموما حتى أنك تجد المكان حاضرا بقوة بداية من عتبة النص الأولى في العديد من  إصداراته من قبيل" تذكرة وحيدة "للقاهرة"، و "بيت" القبطية، وكذلك في رواية سيدة "الزمالك" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2018 والتي ـ لضيق المجال ـ سنتخذها نموذجا. كان المكان مهيمنا و حاضرا منذ اللحظة الأولى، من العنوان"سيدة الزمالك"حيث ارتباط الشخصية بالمكان من خلال حي الزمالك، ذلك الحي الراقي الذي يقطنه في الغالب طبقة ارستقراطية ودلالة ذلك من تكريس بعضا من سمات أشخاصه وطبيعة الصراع المتوقع في أذهان المتلقي، ناهيك عن المصداقية والواقعية التي يخلفهما في ذهن القارئ استخدام مكان حقيقي معلوم. يجب الإشارة هنا إلى ذكاء الكاتب في اختيار العنوان من خلال استغلال الصورة الذهنية المسبقة لدى المتلقي عن حي الزمالك الارستقراطي والإيحاءات التي يخلفها جراء ربطه بـ "سيدة" ليرسخ تلك الصورة المتخيلة لدى المتلقي. كان المكان حاضرا منذ السطور الأولى حين اتخذ من البدروم بعشوائيته وعتمته التي تشبه العتمة التي أصابت "ناديا" نقطة بدء وانطلاقة لرحلة السرد. هذا المكان"المغلق" الموحش ذَكَّرها بطفولتها لكنها هذه المرة لن تصطدم ـ كما كان يحدث في طفولتها ـ بالكراكيب التي خزنها أبوها على مر السنين بلا ترتيب حتى أنها بدت ككمائن تجبر من تقوده قدماه إلى المكان للعودة من حيث أتى، وكأنها وسائل حماية.
يمكن للمتلقي أن يقرأ المكان ودلالاته من خلال جمل وصفية قصيرة رشيقة، حيث الكتابة اللاتينية التي طمست والصدأ والأتربة والأظرف البيضاء التي بهت لونها كلها تكشف أثر الزمن المتغير على ذلك المكان "الثابت"، بينما الأوراق والملفات والأظرف البيضاء التي تحمل شعار النخلة واسم سولومون شيكوريل والمكتب الخشبي والدراجة البلجيكية والسرير الذهبي الذي يتجاوز عرضه الثلاثة أمتار كلها تشي أن المكان يعود لعائلة ثرية أصابها ما أصاب الدراجة الصدئة التي انكفأت على قائميها الأماميين ترثي غياب إطارها الأبيض، والسرير الذهبي المعوج الذي استند على ثلاثة أرجل والرابعة على قوالب طوب. هذا الانكسار لم يأت فجأة إنما سبقته فترة مرض وشت به مئات العبوات من علب الدواء القديمة التي كادت الأتربة تخفي معالمها.
علاقة المكان مع الشخصيات هي ولا شك علاقة تبادلية، ففي الوقت الذي منح الأثرياء من أصحاب الجاه والنفوذ حي الزمالك سمعته، وسُميت عزبة عبد النعيم بهذا الاسم نسبة إلى الحاج عبد النعيم المقاول، وأوبرج الأهرام الذي لم يوله احد اهتماما قبل أن يتردد عليه الملك فاروق ويصبح مكانه المفضل يصبح العثور فيه على منضدة لشخصين أصعب من دخول الجنة لشخصين قضيا عمرهما في استقامة. نجد المكان قد ترك أثره في الشخصيات في الاسم والثقافة والمظهر بصفة عامة، بل أنه امتد إلى الحالة المزاجية، فبعض الأماكن تثير الطمأنينة والارتياح أو ما يعرف بالألفة وبعضها طارد منفر يجلب الشعور بالاغتراب، وما يعتبر جاذبا للبعض يعتبر منفرا لآخرين. ويمكن أن نلمس ذلك بوضوح في النص،فكان عباس "المحلاوي" مثلا وشقيقته زينب نسبة إلى مركز "محلة مرحوم" حيث تقع قريتهم " الفؤادية" على أطرافه، وفؤاد "الاسكندراني" نسبة للإسكندرية، والحاج عبد النعيم القناوي نسبة إلى قنا  والسفرجي بشير "النوبي" نسبة إلى النوبة، وخرج عباس من المدرسة الايطالية بقليل من الكلمات الفرنسية لكن بكثير من الكلمات "الايطالية" التي أجادها واتكأ عليها لاحقا في صناعة الحدث الرئيسي وهو سرقة فيلا شيكوريل بالزمالك، وتركت الكراخانة أثرها في عباس فصار يرى كل النساء مومسات، وحين بحث عن وظيفة لم يقترب أو يعمل ببيوت الدعارة بمنطقة وش البركة ودرب طياب رغم خبرته في ذلك. كما تطلب الأمر من زينب حين جاءت إلى القاهرة أن تغير من مظهرها الريفي، فبدلت طرحتها الصغيرة بإيشارب من الحرير الملون وارتدت فستانا من شيكوريل وحقيبة جلد وحذاء أبيضين حتى صارت قاهرية، من يراها يقول أنها لم تزر الريف يوما إلا إذا تكلمت، وتطلب الأمر لاحقا أن تؤهل نفسها وتتعلم فن الاتيكيت لتتمكن من الولوج إلى حي الزمالك والتعامل مع هوانمه. بينما لم يتخل شخصا مثل الحاج عبد المنعم القناوي عن جلبابه وعمامته وعصاه الغليظة.
علاقة المكان لم تتوقف فقط عند الشخصيات بل امتدت إلى الزمن حيث لا مجال لقراءة المكان بمعزل عن الزمان، فالقاهرة بعد أربع سنوات من الحرب ليست هي نفسها بعد أن تغير وجهها وصارت مدينة غريبة منهكة. ونادي الجزيرة في الخمسينيات ليس هو نفسه في الستينيات وما بعدها. ودنيا أحمد عدوية الزحمة ليست كما قبلها، وما كانت مكتبة لبيع الكتب ومحلات لبيع الزهور صارت محلات لبيع الأحذية.. اقتران الزمان بالمكان يمكن من القراءة الجيدة ورصد التحولات والتغيرات التي طرأت على المكان.
ثمة علاقة أخرى بين المكان والوصف،حيث لا تخلو رواية من وصف الأماكن وتقديم بعض المعلومات عنها بهدف معرفي أو لضبط الإيقاع وتعطيل حركة السرد، حيث تعد الوقفة الوصفية أو ما يعرف بالاستراحة ذات وظيفتين أحداهما جمالية والأخرى تفسيرية. ومن تلك النماذج في الرواية ذلك الاقتباس حين اقتاد عباس شقيقته زينب إلى مسيو آدمون لتتعلم كيف تمشي وتأكل وماذا تقول ومتى تصمت، والكلام هنا على لسان زينب: "ذهبنا إليه في حي الزمالك، شقة أنيقة في دور ارضي في عمارة جديدة كبيرة ترتفع خمسة طوابق، وجدنا باب الشقة مفتوحا و بها غرف كثيرة بلا أبواب، سيدات يرقصن أمام أخريات يتابعن باهتمام، رجل رقيع يتمايل معهن بليونة عجيبة، يرطن بكلمات لم أفهمها، رجال ينحنون ويسيرون في خيلاء أمام بعض الجالسين، بعضهم يقلد النساء بصورة مذهلة، ظللت مندهشة لا تقوى عيناي على الرمش للحظة..." في هذا المقطع لم يوقف الكاتب الزمن ليصف المكان فقط وإنما قدم لنا لمحة عن الانفتاح الذي يميز الفضاء الجديد الذي ستدخله زينب. الوقفات الوصفية عديدة في النص ومنها أيضا وصف زينب لنادي الجزيرة حين دخلته لأول مرة. ووصف الشوارع والأجواء قبيل خطاب العرش سواء في الزمالك أو في إمبابة التي بدا الناس فيها أكثر فرحا والأجواء أكثر صخبا.
ورغم تعدد الأمكنة في الرواية من أماكن منفتحة كالقاهرة والإسكندرية وحي الزمالك وإمبابة ونادي الجزيرة، إلى أماكن منغلقة محددة هندسيا كـ شقة عباس وبيته في الفؤادية، وأيضا ما يعرف بالمكان المعادي الذي لا يخضع لسيطرتك مثل السجن. و الكراخانة، ذلك المكان الفسيح المطل على الغيطان والذي يتردد عليه أناس أشكال وألوان ويخضع لسلطة الآخر ولا يستطيع أحد من قاطنيه السكن في قلب الإسكندرية ولا التجول بحرية في شوارعها،كما أن حُفره ضيقة لا تتسع إلا لطول رجل بالغ وشخصين متجاورين ويبيت عباس مع "سبعة" أفراد في أحد غرفه، حتى أنك تحار في تصنيفها بين مكان جاذب لطلاب المتعة وطارد لفتيات أجبرن على البغاء ومهادن كما هو الحال لعباس الذي لم يكره العمل فيه كما لم يحبه. وغيرها من الأماكن متعددة التصنيفات إلا أن الفضاء الذي تشكله تلك الأماكن مجتمعة يمكن أن يقسم إلى قسمين من منظور اجتماعي أو كما أطلق عليه " لوتمان" " الحد" والذي يفصل بين فضاءين أحدهما للأغنياء والآخر لباقي الشعب وقد عبرت زينب عن ذلك بقولها:" نقسم البلد نصين، حتة للباشوات والهوانم وحتة لمركز الشباب". وهذا يقودنا إلى أن المكان لدى الكاتب لم يتوقف عند بعد جغرافي يصف فيه بعض التضاريس ولا بُعد نفسي سواء بالألفة أو النفور والاغتراب وإنما أيضا كان البعد الاجتماعي حاضرا بقوة في النص. فعباس الذي لا يملك إلا جلبابا واحدا، وجوربا به الكثير من الثقوب، وقميصا اشترته أمه من سوق المستعمل وبهت لونه على مر السنين وينتظره حتى يجف، وحذاءً ممزقا من الجانبين، حين رأى لأول مرة ما يمكن أن نطلق عليه الفضاء الآخر شعر أنه كان ميتا وتمنى "الحياة" الأبدية في هذا الفضاء الجديد، وعبر عن ذلك في هذا الاقتباس: "انبهرت من كم القصور والفيلات والهدوء الذي يلف المكان بالتضافر مع أغصان شجيرات ضخمة، منثورة بكثافة لا تخلو من دقة على جانبي الطريق التي مررنا بها، وصلنا إلى بوابة حديدية ضخمة، بجوارها لافتة خشبية أنيقة مدون عليها بالعربية والفرنسية"فيلا قلب النخلة" وقتها شعرت أنني أريد الحياة هنا للأبد، طاف بذهني أن اهرب وأبلغ عنهم ثم أعمل لدى الخواجة شيكوريل بدلا منهم جميعا".
وكان رد فعل زينب مشابها حين جاء بها عباس إلى القاهرة لأول مرة، وقالت: " لم أتخيل أن الدنيا فيها كل هؤلاء البشر بملابسهم الغريبة وهذه السيارات وتلك الأبنية ولا كل هذه المتع". وحين هددها بالعودة إلى محلة مرحوم تشبثت بالبقاء في القاهرة حتى أنها وعدت عباس بالطاعة العمياء وقبلت يده من أجل أن يبقيها في القاهرة ولا يعيدها إلى قريتها.
إن المكان الروائي عند العشماوي يتجاوز الإطار الضيق المكبل بالجغرافيا والحدود الهندسية إلى فضاء أرحب، نابض بالحياة، مرصع بالدلالات، محفز للتأويلات. وهذا النص تحديدا يحتاج إلى مزيد من الدراسات لإجلاء مكنوناته واستخراج جمالياته.
محمد صالح رجب











جماليات المكان في رواية "سيدة الزمالك" لأشرف العشماوي" - محمد صالح رجب دنيا الوطن

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2020/05/03/521186.html


جماليات المكان في رواية "سيدة الزمالك" لأشرف العشماوي" - بقلم: محمد صالح رجب
المكان الروائي ليس مجرد حيز هندسي أو جغرافي وإنما يتخطى ذلك إلى أبعاد أخرى عديدة. ولأهمية المكان باعتباره أحد أهم عناصر الرواية، والعنصر الذي يؤسس الحكي لأنه يجعل القصة المتخيلة ذات مظهر مماثل لمظهر الحقيقة كما قال هنري متران، فقد أولاه أشرف العشماوي اهتماما وعناية بالغين في كتاباته عموما حتى أنك تجد المكان حاضرا بقوة بداية من عتبة النص الأولى في العديد من  إصداراته من قبيل" تذكرة وحيدة "للقاهرة"، و "بيت" القبطية، وكذلك في رواية سيدة "الزمالك" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2018 والتي ـ لضيق المجال ـ سنتخذها نموذجا. كان المكان مهيمنا و حاضرا منذ اللحظة الأولى، من العنوان"سيدة الزمالك"حيث ارتباط الشخصية بالمكان من خلال حي الزمالك، ذلك الحي الراقي الذي يقطنه في الغالب طبقة ارستقراطية ودلالة ذلك من تكريس بعضا من سمات أشخاصه وطبيعة الصراع المتوقع في أذهان المتلقي، ناهيك عن المصداقية والواقعية التي يخلفهما في ذهن القارئ استخدام مكان حقيقي معلوم. يجب الإشارة هنا إلى ذكاء الكاتب في اختيار العنوان من خلال استغلال الصورة الذهنية المسبقة لدى المتلقي عن حي الزمالك الارستقراطي والإيحاءات التي يخلفها جراء ربطه بـ "سيدة" ليرسخ تلك الصورة المتخيلة لدى المتلقي. كان المكان حاضرا منذ السطور الأولى حين اتخذ من البدروم بعشوائيته وعتمته التي تشبه العتمة التي أصابت "ناديا" نقطة بدء وانطلاقة لرحلة السرد. هذا المكان"المغلق" الموحش ذَكَّرها بطفولتها لكنها هذه المرة لن تصطدم ـ كما كان يحدث في طفولتها ـ بالكراكيب التي خزنها أبوها على مر السنين بلا ترتيب حتى أنها بدت ككمائن تجبر من تقوده قدماه إلى المكان للعودة من حيث أتى، وكأنها وسائل حماية.
يمكن للمتلقي أن يقرأ المكان ودلالاته من خلال جمل وصفية قصيرة رشيقة، حيث الكتابة اللاتينية التي طمست والصدأ والأتربة والأظرف البيضاء التي بهت لونها كلها تكشف أثر الزمن المتغير على ذلك المكان "الثابت"، بينما الأوراق والملفات والأظرف البيضاء التي تحمل شعار النخلة واسم سولومون شيكوريل والمكتب الخشبي والدراجة البلجيكية والسرير الذهبي الذي يتجاوز عرضه الثلاثة أمتار كلها تشي أن المكان يعود لعائلة ثرية أصابها ما أصاب الدراجة الصدئة التي انكفأت على قائميها الأماميين ترثي غياب إطارها الأبيض، والسرير الذهبي المعوج الذي استند على ثلاثة أرجل والرابعة على قوالب طوب. هذا الانكسار لم يأت فجأة إنما سبقته فترة مرض وشت به مئات العبوات من علب الدواء القديمة التي كادت الأتربة تخفي معالمها.
علاقة المكان مع الشخصيات هي ولا شك علاقة تبادلية، ففي الوقت الذي منح الأثرياء من أصحاب الجاه والنفوذ حي الزمالك سمعته، وسُميت عزبة عبد النعيم بهذا الاسم نسبة إلى الحاج عبد النعيم المقاول، وأوبرج الأهرام الذي لم يوله احد اهتماما قبل أن يتردد عليه الملك فاروق ويصبح مكانه المفضل يصبح العثور فيه على منضدة لشخصين أصعب من دخول الجنة لشخصين قضيا عمرهما في استقامة. نجد المكان قد ترك أثره في الشخصيات في الاسم والثقافة والمظهر بصفة عامة، بل أنه امتد إلى الحالة المزاجية، فبعض الأماكن تثير الطمأنينة والارتياح أو ما يعرف بالألفة وبعضها طارد منفر يجلب الشعور بالاغتراب، وما يعتبر جاذبا للبعض يعتبر منفرا لآخرين. ويمكن أن نلمس ذلك بوضوح في النص،فكان عباس "المحلاوي" مثلا وشقيقته زينب نسبة إلى مركز "محلة مرحوم" حيث تقع قريتهم " الفؤادية" على أطرافه، وفؤاد "الاسكندراني" نسبة للإسكندرية، والحاج عبد النعيم القناوي نسبة إلى قنا  والسفرجي بشير "النوبي" نسبة إلى النوبة، وخرج عباس من المدرسة الايطالية بقليل من الكلمات الفرنسية لكن بكثير من الكلمات "الايطالية" التي أجادها واتكأ عليها لاحقا في صناعة الحدث الرئيسي وهو سرقة فيلا شيكوريل بالزمالك، وتركت الكراخانة أثرها في عباس فصار يرى كل النساء مومسات، وحين بحث عن وظيفة لم يقترب أو يعمل ببيوت الدعارة بمنطقة وش البركة ودرب طياب رغم خبرته في ذلك. كما تطلب الأمر من زينب حين جاءت إلى القاهرة أن تغير من مظهرها الريفي، فبدلت طرحتها الصغيرة بإيشارب من الحرير الملون وارتدت فستانا من شيكوريل وحقيبة جلد وحذاء أبيضين حتى صارت قاهرية، من يراها يقول أنها لم تزر الريف يوما إلا إذا تكلمت، وتطلب الأمر لاحقا أن تؤهل نفسها وتتعلم فن الاتيكيت لتتمكن من الولوج إلى حي الزمالك والتعامل مع هوانمه. بينما لم يتخل شخصا مثل الحاج عبد المنعم القناوي عن جلبابه وعمامته وعصاه الغليظة.
علاقة المكان لم تتوقف فقط عند الشخصيات بل امتدت إلى الزمن حيث لا مجال لقراءة المكان بمعزل عن الزمان، فالقاهرة بعد أربع سنوات من الحرب ليست هي نفسها بعد أن تغير وجهها وصارت مدينة غريبة منهكة. ونادي الجزيرة في الخمسينيات ليس هو نفسه في الستينيات وما بعدها. ودنيا أحمد عدوية الزحمة ليست كما قبلها، وما كانت مكتبة لبيع الكتب ومحلات لبيع الزهور صارت محلات لبيع الأحذية.. اقتران الزمان بالمكان يمكن من القراءة الجيدة ورصد التحولات والتغيرات التي طرأت على المكان.
ثمة علاقة أخرى بين المكان والوصف،حيث لا تخلو رواية من وصف الأماكن وتقديم بعض المعلومات عنها بهدف معرفي أو لضبط الإيقاع وتعطيل حركة السرد، حيث تعد الوقفة الوصفية أو ما يعرف بالاستراحة ذات وظيفتين أحداهما جمالية والأخرى تفسيرية. ومن تلك النماذج في الرواية ذلك الاقتباس حين اقتاد عباس شقيقته زينب إلى مسيو آدمون لتتعلم كيف تمشي وتأكل وماذا تقول ومتى تصمت، والكلام هنا على لسان زينب: "ذهبنا إليه في حي الزمالك، شقة أنيقة في دور ارضي في عمارة جديدة كبيرة ترتفع خمسة طوابق، وجدنا باب الشقة مفتوحا و بها غرف كثيرة بلا أبواب، سيدات يرقصن أمام أخريات يتابعن باهتمام، رجل رقيع يتمايل معهن بليونة عجيبة، يرطن بكلمات لم أفهمها، رجال ينحنون ويسيرون في خيلاء أمام بعض الجالسين، بعضهم يقلد النساء بصورة مذهلة، ظللت مندهشة لا تقوى عيناي على الرمش للحظة..." في هذا المقطع لم يوقف الكاتب الزمن ليصف المكان فقط وإنما قدم لنا لمحة عن الانفتاح الذي يميز الفضاء الجديد الذي ستدخله زينب. الوقفات الوصفية عديدة في النص ومنها أيضا وصف زينب لنادي الجزيرة حين دخلته لأول مرة. ووصف الشوارع والأجواء قبيل خطاب العرش سواء في الزمالك أو في إمبابة التي بدا الناس فيها أكثر فرحا والأجواء أكثر صخبا.
ورغم تعدد الأمكنة في الرواية من أماكن منفتحة كالقاهرة والإسكندرية وحي الزمالك وإمبابة ونادي الجزيرة، إلى أماكن منغلقة محددة هندسيا كـ شقة عباس وبيته في الفؤادية، وأيضا ما يعرف بالمكان المعادي الذي لا يخضع لسيطرتك مثل السجن. و الكراخانة، ذلك المكان الفسيح المطل على الغيطان والذي يتردد عليه أناس أشكال وألوان ويخضع لسلطة الآخر ولا يستطيع أحد من قاطنيه السكن في قلب الإسكندرية ولا التجول بحرية في شوارعها،كما أن حُفره ضيقة لا تتسع إلا لطول رجل بالغ وشخصين متجاورين ويبيت عباس مع "سبعة" أفراد في أحد غرفه، حتى أنك تحار في تصنيفها بين مكان جاذب لطلاب المتعة وطارد لفتيات أجبرن على البغاء ومهادن كما هو الحال لعباس الذي لم يكره العمل فيه كما لم يحبه. وغيرها من الأماكن متعددة التصنيفات إلا أن الفضاء الذي تشكله تلك الأماكن مجتمعة يمكن أن يقسم إلى قسمين من منظور اجتماعي أو كما أطلق عليه " لوتمان" " الحد" والذي يفصل بين فضاءين أحدهما للأغنياء والآخر لباقي الشعب وقد عبرت زينب عن ذلك بقولها:" نقسم البلد نصين، حتة للباشوات والهوانم وحتة لمركز الشباب". وهذا يقودنا إلى أن المكان لدى الكاتب لم يتوقف عند بعد جغرافي يصف فيه بعض التضاريس ولا بُعد نفسي سواء بالألفة أو النفور والاغتراب وإنما أيضا كان البعد الاجتماعي حاضرا بقوة في النص. فعباس الذي لا يملك إلا جلبابا واحدا، وجوربا به الكثير من الثقوب، وقميصا اشترته أمه من سوق المستعمل وبهت لونه على مر السنين وينتظره حتى يجف، وحذاءً ممزقا من الجانبين، حين رأى لأول مرة ما يمكن أن نطلق عليه الفضاء الآخر شعر أنه كان ميتا وتمنى "الحياة" الأبدية في هذا الفضاء الجديد، وعبر عن ذلك في هذا الاقتباس: "انبهرت من كم القصور والفيلات والهدوء الذي يلف المكان بالتضافر مع أغصان شجيرات ضخمة، منثورة بكثافة لا تخلو من دقة على جانبي الطريق التي مررنا بها، وصلنا إلى بوابة حديدية ضخمة، بجوارها لافتة خشبية أنيقة مدون عليها بالعربية والفرنسية"فيلا قلب النخلة" وقتها شعرت أنني أريد الحياة هنا للأبد، طاف بذهني أن اهرب وأبلغ عنهم ثم أعمل لدى الخواجة شيكوريل بدلا منهم جميعا".
وكان رد فعل زينب مشابها حين جاء بها عباس إلى القاهرة لأول مرة، وقالت: " لم أتخيل أن الدنيا فيها كل هؤلاء البشر بملابسهم الغريبة وهذه السيارات وتلك الأبنية ولا كل هذه المتع". وحين هددها بالعودة إلى محلة مرحوم تشبثت بالبقاء في القاهرة حتى أنها وعدت عباس بالطاعة العمياء وقبلت يده من أجل أن يبقيها في القاهرة ولا يعيدها إلى قريتها.
إن المكان الروائي عند العشماوي يتجاوز الإطار الضيق المكبل بالجغرافيا والحدود الهندسية إلى فضاء أرحب، نابض بالحياة، مرصع بالدلالات، محفز للتأويلات. وهذا النص تحديدا يحتاج إلى مزيد من الدراسات لإجلاء مكنوناته واستخراج جمالياته.
محمد صالح رجب











جماليات المكان في رواية "سيدة الزمالك" لأشرف العشماوي"- محمد صالح رجب - الرأي


المكان الروائي ليس مجرد حيز هندسي أو جغرافي وإنما يتخطى ذلك إلى أبعاد أخرى عديدة. ولأهمية المكان باعتباره أحد أهم عناصر الرواية، والعنصر الذي يؤسس الحكي لأنه يجعل القصة المتخيلة ذات مظهر مماثل لمظهر الحقيقة كما قال هنري متران، فقد أولاه أشرف العشماوي اهتماما وعناية بالغين في كتاباته عموما حتى أنك تجد المكان حاضرا بقوة بداية من عتبة النص الأولى في العديد من  إصداراته من قبيل" تذكرة وحيدة "للقاهرة"، و "بيت" القبطية، وكذلك في رواية سيدة "الزمالك" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2018 والتي ـ لضيق المجال ـ سنتخذها نموذجا. كان المكان مهيمنا و حاضرا منذ اللحظة الأولى، من العنوان"سيدة الزمالك"حيث ارتباط الشخصية بالمكان من خلال حي الزمالك، ذلك الحي الراقي الذي يقطنه في الغالب طبقة ارستقراطية ودلالة ذلك من تكريس بعضا من سمات أشخاصه وطبيعة الصراع المتوقع في أذهان المتلقي، ناهيك عن المصداقية والواقعية التي يخلفهما في ذهن القارئ استخدام مكان حقيقي معلوم. يجب الإشارة هنا إلى ذكاء الكاتب في اختيار العنوان من خلال استغلال الصورة الذهنية المسبقة لدى المتلقي عن حي الزمالك الارستقراطي والإيحاءات التي يخلفها جراء ربطه بـ "سيدة" ليرسخ تلك الصورة المتخيلة لدى المتلقي. كان المكان حاضرا منذ السطور الأولى حين اتخذ من البدروم بعشوائيته وعتمته التي تشبه العتمة التي أصابت "ناديا" نقطة بدء وانطلاقة لرحلة السرد. هذا المكان"المغلق" الموحش ذَكَّرها بطفولتها لكنها هذه المرة لن تصطدم ـ كما كان يحدث في طفولتها ـ بالكراكيب التي خزنها أبوها على مر السنين بلا ترتيب حتى أنها بدت ككمائن تجبر من تقوده قدماه إلى المكان للعودة من حيث أتى، وكأنها وسائل حماية.
يمكن للمتلقي أن يقرأ المكان ودلالاته من خلال جمل وصفية قصيرة رشيقة، حيث الكتابة اللاتينية التي طمست والصدأ والأتربة والأظرف البيضاء التي بهت لونها كلها تكشف أثر الزمن المتغير على ذلك المكان "الثابت"، بينما الأوراق والملفات والأظرف البيضاء التي تحمل شعار النخلة واسم سولومون شيكوريل والمكتب الخشبي والدراجة البلجيكية والسرير الذهبي الذي يتجاوز عرضه الثلاثة أمتار كلها تشي أن المكان يعود لعائلة ثرية أصابها ما أصاب الدراجة الصدئة التي انكفأت على قائميها الأماميين ترثي غياب إطارها الأبيض، والسرير الذهبي المعوج الذي استند على ثلاثة أرجل والرابعة على قوالب طوب. هذا الانكسار لم يأت فجأة إنما سبقته فترة مرض وشت به مئات العبوات من علب الدواء القديمة التي كادت الأتربة تخفي معالمها.
علاقة المكان مع الشخصيات هي ولا شك علاقة تبادلية، ففي الوقت الذي منح الأثرياء من أصحاب الجاه والنفوذ حي الزمالك سمعته، وسُميت عزبة عبد النعيم بهذا الاسم نسبة إلى الحاج عبد النعيم المقاول، وأوبرج الأهرام الذي لم يوله احد اهتماما قبل أن يتردد عليه الملك فاروق ويصبح مكانه المفضل يصبح العثور فيه على منضدة لشخصين أصعب من دخول الجنة لشخصين قضيا عمرهما في استقامة. نجد المكان قد ترك أثره في الشخصيات في الاسم والثقافة والمظهر بصفة عامة، بل أنه امتد إلى الحالة المزاجية، فبعض الأماكن تثير الطمأنينة والارتياح أو ما يعرف بالألفة وبعضها طارد منفر يجلب الشعور بالاغتراب، وما يعتبر جاذبا للبعض يعتبر منفرا لآخرين. ويمكن أن نلمس ذلك بوضوح في النص،فكان عباس "المحلاوي" مثلا وشقيقته زينب نسبة إلى مركز "محلة مرحوم" حيث تقع قريتهم " الفؤادية" على أطرافه، وفؤاد "الاسكندراني" نسبة للإسكندرية، والحاج عبد النعيم القناوي نسبة إلى قنا  والسفرجي بشير "النوبي" نسبة إلى النوبة، وخرج عباس من المدرسة الايطالية بقليل من الكلمات الفرنسية لكن بكثير من الكلمات "الايطالية" التي أجادها واتكأ عليها لاحقا في صناعة الحدث الرئيسي وهو سرقة فيلا شيكوريل بالزمالك، وتركت الكراخانة أثرها في عباس فصار يرى كل النساء مومسات، وحين بحث عن وظيفة لم يقترب أو يعمل ببيوت الدعارة بمنطقة وش البركة ودرب طياب رغم خبرته في ذلك. كما تطلب الأمر من زينب حين جاءت إلى القاهرة أن تغير من مظهرها الريفي، فبدلت طرحتها الصغيرة بإيشارب من الحرير الملون وارتدت فستانا من شيكوريل وحقيبة جلد وحذاء أبيضين حتى صارت قاهرية، من يراها يقول أنها لم تزر الريف يوما إلا إذا تكلمت، وتطلب الأمر لاحقا أن تؤهل نفسها وتتعلم فن الاتيكيت لتتمكن من الولوج إلى حي الزمالك والتعامل مع هوانمه. بينما لم يتخل شخصا مثل الحاج عبد المنعم القناوي عن جلبابه وعمامته وعصاه الغليظة.
علاقة المكان لم تتوقف فقط عند الشخصيات بل امتدت إلى الزمن حيث لا مجال لقراءة المكان بمعزل عن الزمان، فالقاهرة بعد أربع سنوات من الحرب ليست هي نفسها بعد أن تغير وجهها وصارت مدينة غريبة منهكة. ونادي الجزيرة في الخمسينيات ليس هو نفسه في الستينيات وما بعدها. ودنيا أحمد عدوية الزحمة ليست كما قبلها، وما كانت مكتبة لبيع الكتب ومحلات لبيع الزهور صارت محلات لبيع الأحذية.. اقتران الزمان بالمكان يمكن من القراءة الجيدة ورصد التحولات والتغيرات التي طرأت على المكان.
ثمة علاقة أخرى بين المكان والوصف،حيث لا تخلو رواية من وصف الأماكن وتقديم بعض المعلومات عنها بهدف معرفي أو لضبط الإيقاع وتعطيل حركة السرد، حيث تعد الوقفة الوصفية أو ما يعرف بالاستراحة ذات وظيفتين أحداهما جمالية والأخرى تفسيرية. ومن تلك النماذج في الرواية ذلك الاقتباس حين اقتاد عباس شقيقته زينب إلى مسيو آدمون لتتعلم كيف تمشي وتأكل وماذا تقول ومتى تصمت، والكلام هنا على لسان زينب: "ذهبنا إليه في حي الزمالك، شقة أنيقة في دور ارضي في عمارة جديدة كبيرة ترتفع خمسة طوابق، وجدنا باب الشقة مفتوحا و بها غرف كثيرة بلا أبواب، سيدات يرقصن أمام أخريات يتابعن باهتمام، رجل رقيع يتمايل معهن بليونة عجيبة، يرطن بكلمات لم أفهمها، رجال ينحنون ويسيرون في خيلاء أمام بعض الجالسين، بعضهم يقلد النساء بصورة مذهلة، ظللت مندهشة لا تقوى عيناي على الرمش للحظة..." في هذا المقطع لم يوقف الكاتب الزمن ليصف المكان فقط وإنما قدم لنا لمحة عن الانفتاح الذي يميز الفضاء الجديد الذي ستدخله زينب. الوقفات الوصفية عديدة في النص ومنها أيضا وصف زينب لنادي الجزيرة حين دخلته لأول مرة. ووصف الشوارع والأجواء قبيل خطاب العرش سواء في الزمالك أو في إمبابة التي بدا الناس فيها أكثر فرحا والأجواء أكثر صخبا.
ورغم تعدد الأمكنة في الرواية من أماكن منفتحة كالقاهرة والإسكندرية وحي الزمالك وإمبابة ونادي الجزيرة، إلى أماكن منغلقة محددة هندسيا كـ شقة عباس وبيته في الفؤادية، وأيضا ما يعرف بالمكان المعادي الذي لا يخضع لسيطرتك مثل السجن. و الكراخانة، ذلك المكان الفسيح المطل على الغيطان والذي يتردد عليه أناس أشكال وألوان ويخضع لسلطة الآخر ولا يستطيع أحد من قاطنيه السكن في قلب الإسكندرية ولا التجول بحرية في شوارعها،كما أن حُفره ضيقة لا تتسع إلا لطول رجل بالغ وشخصين متجاورين ويبيت عباس مع "سبعة" أفراد في أحد غرفه، حتى أنك تحار في تصنيفها بين مكان جاذب لطلاب المتعة وطارد لفتيات أجبرن على البغاء ومهادن كما هو الحال لعباس الذي لم يكره العمل فيه كما لم يحبه. وغيرها من الأماكن متعددة التصنيفات إلا أن الفضاء الذي تشكله تلك الأماكن مجتمعة يمكن أن يقسم إلى قسمين من منظور اجتماعي أو كما أطلق عليه " لوتمان" " الحد" والذي يفصل بين فضاءين أحدهما للأغنياء والآخر لباقي الشعب وقد عبرت زينب عن ذلك بقولها:" نقسم البلد نصين، حتة للباشوات والهوانم وحتة لمركز الشباب". وهذا يقودنا إلى أن المكان لدى الكاتب لم يتوقف عند بعد جغرافي يصف فيه بعض التضاريس ولا بُعد نفسي سواء بالألفة أو النفور والاغتراب وإنما أيضا كان البعد الاجتماعي حاضرا بقوة في النص. فعباس الذي لا يملك إلا جلبابا واحدا، وجوربا به الكثير من الثقوب، وقميصا اشترته أمه من سوق المستعمل وبهت لونه على مر السنين وينتظره حتى يجف، وحذاءً ممزقا من الجانبين، حين رأى لأول مرة ما يمكن أن نطلق عليه الفضاء الآخر شعر أنه كان ميتا وتمنى "الحياة" الأبدية في هذا الفضاء الجديد، وعبر عن ذلك في هذا الاقتباس: "انبهرت من كم القصور والفيلات والهدوء الذي يلف المكان بالتضافر مع أغصان شجيرات ضخمة، منثورة بكثافة لا تخلو من دقة على جانبي الطريق التي مررنا بها، وصلنا إلى بوابة حديدية ضخمة، بجوارها لافتة خشبية أنيقة مدون عليها بالعربية والفرنسية"فيلا قلب النخلة" وقتها شعرت أنني أريد الحياة هنا للأبد، طاف بذهني أن اهرب وأبلغ عنهم ثم أعمل لدى الخواجة شيكوريل بدلا منهم جميعا".
وكان رد فعل زينب مشابها حين جاء بها عباس إلى القاهرة لأول مرة، وقالت: " لم أتخيل أن الدنيا فيها كل هؤلاء البشر بملابسهم الغريبة وهذه السيارات وتلك الأبنية ولا كل هذه المتع". وحين هددها بالعودة إلى محلة مرحوم تشبثت بالبقاء في القاهرة حتى أنها وعدت عباس بالطاعة العمياء وقبلت يده من أجل أن يبقيها في القاهرة ولا يعيدها إلى قريتها.
إن المكان الروائي عند العشماوي يتجاوز الإطار الضيق المكبل بالجغرافيا والحدود الهندسية إلى فضاء أرحب، نابض بالحياة، مرصع بالدلالات، محفز للتأويلات. وهذا النص تحديدا يحتاج إلى مزيد من الدراسات لإجلاء مكنوناته واستخراج جمالياته.
محمد صالح رجب











الاثنين، 27 أبريل 2020

تمرد .. " بقلم : محمد صالح رجب "


  تمرد .. " بقلم : محمد صالح رجب "


سطر واحد في أحد كتب التاريخ الغير معتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم يحدث كل تلك الضجة ، سطر واحد تضمن إقرارا بدور تمرد في إسقاط نظام الإخوان وعرض صور لثلاثة من مؤسسيها ، يحرك كثيرا من مرضى القلوب التي اندفعت غيرة تطلب لنفسها سطورا وصورا مشابهة، حتى أن وزير التعليم يخرج على عجل ينفي أن تكون كتب الوزارة قد احتوت على أي صور لقيادات حركة تمرد ، وكأن تمرد  وقادتها "جرب " نهرب منه .
كم هي ضعيفة ذاكرتنا ! ، بهذه السرعة ننسى ، ننسى يوم أن توارت الأحزاب وعلى رأسها  أحزاب جبهة الإنقاذ خلف تمرد ، الكل توارى خلف تمرد ،  يدفع بها إلى مقدمة الصفوف لتكون هي رأس الحربة في مواجهة الإخوان ، عناصر تمرد تلقت العديد من التهديدات ورؤوس قادتها كانت مطلبا لأنصار الإخوان ، صحيح أن 30 يونيو كانت ثورة شعب ، شارك فيها بكل طوائفه  ،كل على طريقته ، بداية من المواطن العادي وانتهاء  بالشرطة والجيش مرورا بالقضاء والمثقفين والإعلام ، إلا أن تمرد هي وحدها من جمعت الكل في واحد ، جمعت الشعب المصري على استمارة واحدة وميعاد واحد ، عندما وقعت المصريين على ورقة  تمرد التي تطالبهم بالنزول في 30 يونيو لإسقاط الإخوان ، لقد اندفع الشعب خلف تمرد لتتلقي هي الصدمات بثبات محمية في ذلك بهذا الظهير الشعبي ، لذا عندما تذكر 30 يونيو في سطر لابد أن يشار إلا أن تمرد التي وحدت الزمان والمكان فخرج الشعب ضد الإخوان لينحاز الجيش لتلك الإرادة .
قد تظهر الأيام أن تمرد صنيعة عمل مخابراتي ، قد تظهر أفرادها على درجة كبيرة من النقاء والوطنية أو العكس ، لكن كل هذا لن يلغي أبدا دور تمرد وقيادتها في التخلص من نظام الإخوان ، وعرقلة المخطط الذي كان يحاك لمصر والمنطقة ، وحتما ستفرد صفحات التاريخ إن آجلا أو عاجلا مساحات شاسعة لتمرد وقادتها.







السبت، 8 فبراير 2020

دياب - قصة قصيرة - محمد صالح رجب - الأهرام


https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2806160846132942&set=a.786329388116108&type=3&theater


دياب..  قصة بقلم : محمد صالح رجب
انتابته نوبة ضحك هستيرية حين سمع اعترافات زوجته، كل من سمع تلك الاعترافات كان له رأي دياب.. وتبدأ القصة لأيام مضت، حين شعر دياب بوعكة صحية تطلبت مراجعة الطبيب وعمل بعض التحاليل والفحوصات، والتي كانت نتيجتها صادمة، جعلت دياب يجلس في بيته منكسرا تعج غرفته بالزائرين..
نظر  دياب إلى الفراغ المحيط، تسلق بنظراته جبال الهم الشاهقة، تسمرت عيناه باتجاه السقف. هبط ببصره إلى الغرفة المكتظة بالحضور، عيناه الجاحظتان تعيد المسح والتخزين، بينما تلتقط أذناه ندب العيون النائحة.. وعلى بقايا حطامه يعود و يستسلم لقدره، يهمس لنفسه، مؤكد أنني أحسن حالا من غيري.. حسنا فعل الطبيب حين أخبرني أن شهورا عدة تفصلني عن الموت، أربعون عاما منذ قدمت إلى الدنيا انتظره، لا أعرف متى ولا أين، الآن هو من ينتظرني، هي فرصة لأودع أحبابي، لأتطهر من ذنوبي، لأغتسل من خطاياي، فرصة لأطلب السماح من زوجتي عما أتذكره من خيانات، وأرد ما اغتصبته من حقوق، فرصة لأرتاد المساجد وأتقرب إلى الله.. إنها فرصة ذهبية لتعرف عيناي طعم الدموع ندما وتطهرا.. شهور عدة وقت قليل مقارنة بما اقترفته يداي من آثام، عليّ إذن أن أسابق الزمن، من الغد سأغادر رقدتي هذه، سأتمرد على تعليمات الطبيب، لن استسلم لحالة الإحباط التي تملكني، سأشرع في رحلة التطهر، لن التفت إلى اعتراض زوجتي ولا دموعها. في الغد، بعد موعد الطبيب، سأذهب بها إلى الشهر العقاري، سأكتب لها توكيلا، سأجعل له ذمتها المالية المستقلة، لطالما طالبتني أن تشاركني ملكية الأراضي التي اشتريتها وهي من ساهمت فيها بإرثها الكبير، كانت تخشى أن أتزوج عليها، تخشى أن أتخلى عنها بعد أن جردتها من أموالها، الآن تبكيني وتتوسل إلي وتمنعني أن اذهب، فأنا عندها كما تقول أهم من كنوز الدنيا، لن أرضخ لها، لم تقف الحواجز أمامي وأنا أدهس الأرض بقوة، اغترف من كل شئ دون اعتبار لأي شئ، في رحلة العودة لن اسمح أيضا لأحدٍ أن يمنعني، لن ارضخ لزوجة أخي ولا لبناته اللاتي يجلسن من حولي، تفيض دموعهن حزنا عليّ، نسوا كل شئ، سامحوني، دعواتهم تصلني فتزيد من أوجاعي، كيف طوعت لي نفسي أن أسطو على حقوق أخي الأصغر؟ مات أبي وتصرفت في كل شئ كأنه ملك خاص لي، خاطبني أخي على استحياء حين همَّ بالزواج، ساعدته وكأني اتفضل عليه، ولم يفعلها بعد، مرات كثيرة سمعتها من زوجته بعد مماته، كانت تذكرني بأطفاله الأيتام، ولا يحرك في الأمر شيئا، فقط كنت اقسم بأغلظ الأيمان أنه حصل على كل حقوقه..ذاكرتي وكأنها تجرعت شيئا من المنشطات، تتذكر تباعا آثامي، إنها تبدوا كسراب، كلما تذكرت منها شيئا وظننت أنه الأخير إذا بها تذكرني بأخرى وكأن حياتي كانت سلسلة متصلة من الآثام.. فترت همته للحظة حين تذكر أصحاب الحقوق الذين رحلوا وأولئك الذين هاجروا، تساءل في نفسه: كيف السبيل إليهم؟ لكنه عاد إلى عزمه، سيصل إلى كل من يستطيع الوصول إليه ومن لم يستطع الوصول إليه سيتصدق عنه..
في الصباح كان بصحبة زوجته في المستشفى بين يدي الطبيب، كان الطبيب باشّاً  هذه المرة، هو أيضا كان هادئا مطمئنا إلى أن حدثه الطبيب معتذرا عن خطأ غير مقصود، اضطرب ولم يستوعب، تساءل عما قاله بداعي أنه لم يفهم، كرر الطبيب اعتذاره  قائلا: ثمة خطأ، لقد اسُتبدلت التحاليل الخاصة بك بتحاليل مريض آخر، انت معافى تماما.. تساءل: والموت الذي ينتظرني!
رد الطبيب بهدوء: الأعمار بيد الله..
لم يكن يعرف أيقبله أم يقتله، بعد لحظات تيه قصيرة حسم أمره وقبله، احتضن زوجنه بعنف، لم يتذكر الشهر العقاري ولم تشأ زوجته أن تذكره، كانت تريد له أن يكون هكذا، سعيدا، لكن عندما علمت بعد أيام قليلة أنه في الطريق للزواج بأخرى، اعترفت له، أخبرته أن الموت بانتظاره، وأن ما أخبره به الطبيب كان بالاتفاق معها، لكنه لم يصدقها، تلقى اعترافاتها بمزيد من الضحك وكغيره ممن سمعها، وضع اعترافاتها تحت بند "غيرة ستات "..
محمد صالح رجب - كاتب مصري


الجمعة، 17 يناير 2020

مقتطفات من رواية شالوشا للكاتب محمد صالح رجب

- البعض تصدمه التغيرات والأحداث الكبيرة لأنه تعامى عن إرهاصاتها.

رواية #شالوشا
محمد صالح رجب


********
- لا شيء يضاهي شعورَ امرأة بأنها مرغوبة
رواية #شالوشا
محمد صالح رجب


********

- ثمة عرق شرقي بدواخلنا لا نستطيع الفكاك منه مهما حاولنا..
رواية #شالوشا
محمد صالح رجب


********


- البحث عن المزيد من دلائل لإثبات عظمة ماضٍ لا يحتاج إلى مزيد من الأدلة على عظمته هو لاريب مضيعة للوقت، وهروب من مسؤولية إضافة رصيد عظيم مماثل.
رواية #شالوشا
محمد صالح رجب


********

في عصر ما بعد الحداثة، أنت "تسود بقدر ما تملك".
رواية #شالوشا
محمد صالح رجب


********


- ليس أقسى على المرء من أن يهرب إلى سجن هو سجانه

رواية #شالوشا
محمد صالح رجب

********

لم يكن يعتقد أن الحياة هي تلك المسافة، أو الحيز الزمني، بين نقطتي الولادة والموت، كان يؤمن أن الحياة هي ذلك الحيز الزمني بين بداية الوعي ونهايته..

رواية #شالوشا
محمد صالح رجب