لم يكن يخطر ببال أردوغان حين أسقط الطائرة الروسية أنه يضع حدا لسطوع
نجمه الذي برز بعد دغدغة مشاعر المسلمين بموقفه الحاد تجاه إسرائيل ، فإسقاط
الطائرة لم يلق به من جديد في أحضان إسرائيل فحسب ، وإنما وضع حدا لدور عسكري كبير
كان يعول عليه كثيرا في سوريا ،كما أدى إلى وضع حد لتفوق المعارضة التي يدعمها
وتهميش الدور الأمريكي بشكل كبير خشية من مواجهات مباشرة مع الروس بعد أن ثبتوا
أقدامهم في سوريا وعززوا تواجدهم العسكري ونشروا دفاعاتهم على الأراضي السورية ..
وبعد أن أحسنت موسكو استغلال هذه الخدمة الجليلة التي لم تكن تحلم بها وجنت
ثمار هذا الحادث سريعا لم يكن هنالك مشكلة في عودة العلاقات الروسية التركية بعد
هذا الحادث ، وهو ما حدث بالفعل ، كان التنسيق في أعلى مستوياته حتى أن وزير
الدفاع الروسي " سيرغي شويغو " صرح لاحقا أن عملية تحرير حلب تمت
بالتنسيق الوثيق مع تركيا وإيران ،الأمر الذي لم تنفه تركيا على الأقل حتى الآن ..
وفي ظل هذه العلاقات الودية وانشغال العالم بحلب ومأساة حلب والتي لا تتجزأ عن
مأساة سوريا كلها يُقتل السفير الروسي " أندريه كارلوف " في تركيا ،
وخشية من رد الفعل الروسي تسارع أنقرة إلى نفي التهمة عنها وإلصاقها برجل الدين
التركي " فتح الله غولن " المتواجد على الأراضي الأمريكية في محاولة
مبطنة لاستنهاض أمريكا وجرها لمساندتها في مواجهة الروس ، كما لم يفوتها الإيحاء
لدى الروس أن دولا تريد أن النيل من العلاقة التركية الروسية في إشارة إلى أمريكا
، لكن الأمر لم ينطو على أمريكا التي سارعت بنفي هذا الاتهام ولا على الروس الذين
صرحوا انه من السابق لأوانه إلصاق التهمة بأحد قبل الانتهاء من التحقيقات ..
قَتل السفير الروسي جاء قبل يوم واحد من محادثات كانت مقررة بين روسيا
وإيران وتركيا حول الأزمة السورية ، لتدخل تركيا مفاوضات غير متكافئة في غياب
أمريكي وعربي ، تدخلها بعين منكسرة ، تلملم شتاتها ، تقدم التنازلات على أمل ترميم
تبعات ذلك الحادث وترضية الروس ، فلم تتعرض من قريب أو بعيد لمسألة رحيل الأسد ، ووافقت
بمحادثات جديدة موازية لجنيف في كازاخستان في محاولة روسية للابتعاد قليلا عن جنيف
وتبعاتها ، من جانبها تلقت روسيا الخبر بهدوء كبير ودخلت المفاوضات في الوقت الذي
لم يوارى جثمان سفيرها الثرى ، فقط منحته أعلى وسام روسي والتقت مع تركيا على
مائدة المفاوضات ولسان حالها يردد " شكرا اردوغان لخدماتكم الجليلة "..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق