الأحد، 12 يونيو 2022

قراءة في قصة د على الخرشة "نبع الشباب" – محمد صالح رجب

-       


  تتكبد بعض المجتمعات التي لا تزال تقدم الأعراف العشائرية على القانون ثمنا باهظا يعيق البناء والتنمية، فقضايا الثأر والدم، وقضايا الشرف، والصراع بين العلم والخرافة هي بعض من ساحات تلك المواجهة.

-         حين اقرأ نصا يشتبك مع موروث اجتماعي، ابحث أولا عن بيئة الكاتب التي نشأ فيها، وكاتبنا هنا هو د. على الخرشه

 ابن الأردن، تلك البلد العزيز علينا والتي لا تزال القبيلة والعشيرة فيها تحتفظ بتقاليدها واعرافها العشائرية بشكل لافت كما في كثير من بلداننا العربية.

الاشتباك مع الموروث الاجتماعي امر صعب ليس على مستوى الواقع فحسب وانما أيضا على مستوى الكتابة الأدبية، وكما ان تلك المواجهة في الواقع تتطلب معاملة حذرة لا تستفز المجتمع ورموزه وهو ما سوف نأتي عليه لاحقا بشيء من التفصيل، فإن الدكتور "علي" اتسم بذكاء حين تناول الامرَ أدبيا بهذا الشكل، الفانتازيا وسيلة جيدة لتمرير الرسائل دون ان تستفز أحدا، عبرها يمكن لك أن تنتقد أوضاعا او عادات أو ما شئت وستصل الرسالة دون تكلفة ودون صِدام، هذا المدخل يحلينا مباشرة الى النص الذي يقدم لنا وصفة  للمواجهة مع السلبي من ذلك الموروث من خلال استدعاء اسطورة " اكسير الحياة" او نبع الحياة او ما سُمِي في النص "نبع الشباب" والذي يعيد المرء لشبابه، وأيضا من خلال شخصيةِ تملك من الهيبة والعلم بأعراف القبيلة وطريقة سرد الحديث، شخصية ربما لا تؤمن بالجديد قدر ايمانها وحبها لحامل هذا الجديد، شخصية يمكن لها أن تعاقب وتصفع وتوبخ كيفما تشاء، ومن تكون تلك الشخصية غير الجَدة.

القصة من وجهة نظري ترسم طريقا أو مسارا لكيفية التعاطي مع تلك القضية، وصحيح ان الأمر في النص تعلق بأفراد بعيدا عن الجهات الرسمية الا انه يشكل نموذجا يحتذى به في التعامل سواء على مستوى السلطة او الافراد. فأسباب الإخفاق واحدة سواء للأفراد او السلطات، اخفاقنا في تلك المواجهة وعدم قدرتنا على اختراق تلك الموروثات مرده لطريقة التعامل الخاطئة في المواجهة، ومع كل الخبرات السابقة في تلك المواجهات الا ان الاستفادة ليست على المستوى المأمول، فلازال الثأر موجودا ولازال الصراع بين العلم والخرافة قائما، ولازالت المرأة تعاني.

وفي هذا النص يقدم لنا الكاتب عبر شخصية الجَدة مسارا مقترحا جاء في شكل إرشادات تقدمها الجَدة لحفيدها حَيَّان على النحو التالي:

-          أول وأهم الخطوات ان تفهم هذا المجتمع جيدا، وان تفهم عاداته وتقاليده وان تعرف كبارهم ليكونوا مدخلا لك، فبهم تستطيع أن تنجح، تقول الجَدة، وهنا اقتبس: " تذكر أن أغلب مسؤولي هذه البلد قد وصولوا لما وصلوا إليه بسبب هؤلاء الشيوخ ".

-         أيضا عليك ان تمنحهم قدرهم، وتحسن ضيافتهم كما يحبوا واعتادوا لا كما أحببت انت واعتدت، امسك دله القهوة باليسار والفنجان باليمن، صب في قعر الفنجان، لا داعي لأن تملأ الفنجان لفمه، فهي ليست نسكافية"، إذا أعاد لك الفنجان عليك أن تملأه مرة أخرى، لا تتوقف حتى يهز الفنجان. صب للجميع، وما ان تنتهي بالغ في الترحاب بهم، ثم.. ادخل في الموضوع، اعرض عليهم الاختراع.

 

لكن السؤال المطروح: وماذا ان فشلت بعد كل ذلك؟ ماذا لو رفضوا يا جدتي واتهموني بالخبل كما فعلوا معي في الاختراع السابق؟ "

عندها لا مفر من اللجوء الى الخيار المؤجل، انه الخيار الأخير، الخيار الصعب، المؤلم، هو سلاح المعركة الأخيرة، بعدها اما النصر او الهزيمة، سأدخل المجلس، وانزع غطاء رأسي وأرميه عند اقدامهم  ..وامتنع عن ارتداءه حتى يُلبُوا طلبك يا صغيري "

-         والمفارقة ان شعر الجدة أصلع وسلاحها غير ناجع، لكنها الثقة فيما يمكن ان تفعله.

 

-         ثمة تعامل خاطئ من حيان مع عشيرته اشير اليه في البدء بالقدم او الرِجل الكبرى التي ترفع ربما في وجه كبار العشيرة، ثم يتوالى التعامل الخاطئ على النحو التالي:

-         عدم معرفة " حيان" بمن يخاطب وإن تَدَارَك الامر بعد ان ذهب في البدء الى شخص اخر غير الكبير.

-         الترحيب بهم بغير ما اعتادوا عبر عبارات جهزها حيان مسبقا من على الانترنت. فشعر الجميع بعدم مصداقيتها (ولا حظ هنا الجميع).

-         طريقة تقديم الأمر، وهو هنا "الاختراع"، حيث قدمه بطريقة لا يفهمها المخاطبون الذين يمثلون المجتمع، حين حدثهم عن نبع الشباب وعُمْرِ الخلية الحيوانية وهم لا يفهمون ما يقول. الأمر الذي دفع أحدهم للقول: ماذا يعني هذا بلغتنا البسيطة يا حيّان".

-         وحين حاول حيان ان يشرح ببساطة مستعينا بعناصر بيئتهم كالحمار والجحش، اساء توظيف تلك العناصر عن جهل بعقلية المخاطب، الامر الذي اعتبروه إهانة، فهاج الجميع ضده، حينها لجأ الى السلاح الأخير، لم يعد امامه الا هو، انها المعركة الأخيرة، الحد الفاصل بين النجاح والفشل، النصر او الخسارة، لكن حين استدعى سلاحه كان في واد اخر ليخسر حيان المعركة في تلك الجولة.

********

-العنوان:

العنوان مستقى من اسطورة " نبع الحياة " او اكسير الحياة" ذلك المشروب العجيب القادر على إعادة الانسان لشبابه. وهو حلم يسعى اليه الانسان للعودة لأفضل مراحل عمره وهي الشباب حيث الحركة والنشاط والصحة من هنا كانت دغدغة الكاتب لمشاعر المتلقي لاسيما العجائز منهم بعنوان" نبع الشباب" لكن المفاجأة انهم عادوا أطفالا.

-         منذ البداية كان التشويق بالإعلان عن "اللقاء الفرصة" التي يجب ان تستغل، انها بداية أكثر من رائعة تدفعنا للولوج في النص، هؤلاء علية القوم قد جاؤوك بأنفسهم، الفرصة متاحة ومهيأة لك وعليك ان تحسن استغلالها. وظل نبع الحياة مجهولا حتى نهاية النص الأول.

 

-         اجاد الكاتب توظيف اللغة، واستطاع من خلال حوار الجدة مع حيان، ان يشعرنا انها جدتنا جميعا، هذا الحديث البسيط الذي لا يخلو من المزاح، يقول لها حيان "نبع الشباب" وتقول "نبع الهباب"، يقول لها "نسكافيه" وتقول نكسافيه،.. وفي مفردة " يا صغري" التي قالتها الجدة لحيان اختصار لحديث طويل عن علاقة حيان بالجدة، فهو ما يزال في عينيها صغيرا وما زالت ترى نفسها مسؤولة عنه ولهذا سوف تقدم على هذا الامر الصعب حال رفضهم لمشروع حيان.

 

-          أحسن الكاتب استدعاء شخصية الجدة، وهي الحريصة على حفيدها، تقدم له النصائح بإخلاص وحب في كيفية التعامل مع المجتمع مستعينة في ذلك بخبرات عمرها الطويل وقدرة الجدات على الحكي بأسلوبهن الشيق الممازح وحقها المشروع كجدة في العقاب.... وان تمنيت في هذه النقطة ان تفهم إشارة ولا حاجة للتأكيد عليها، بالقول " صفعته على وجهه، فهي جدته ومن حقها أن تصفعه متى أحبت"

 

-         نهاية النص الأول المرقم ب1 كانت رائعة وغير متوقعة لا من ناحية انها تناولت المشروب، ولا من ناحية انه لم يعيدها الى شبابها بل اعادها طفلة. في إشارة الى انه رغم ثورتنا على بعض التقاليد الا انه من الممكن ان يكون الجديد غير دقيق او ان نتائجه تأتي على غير ما نريد فليس كل جديد مناسبا.

 

-         لم ار ان النص الثاني أضاف جديدا وكان يمكن الاستغناء عنه كاملا، فقفلة الجدة التي أصبحت طفله فهم منها انها شربت من الاختراع وان هذه هي النتيجة بما تحمله من تأويلات متعددة، البعض قد يرى فيها أكثر من نجاح حيث اعادها الى ما قبل الشباب الى الطفولة، واخرون قد يرونها فشلا ذريعا ويؤكدون على ان ليس كل جديد صالحا..

 

*********

محمد صالح رجب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق