الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

الدور القطري بين الواقع والمأمول | محمد صالح رجب | بوابة الأسبوع

الدور القطري بين الواقع والمأمول | محمد صالح رجب | بوابة الأسبوع
https://www.masress.com/elaosboa/124412
الدور القطري بين الواقع والمأمول
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 19 - 12 - 2013

في السنوات القليلة الماضية سطع نجم قطر وارتبط اسمها بأحداث وملفات عديدة في المنطقة، وتعجب البعض، كيف لدولة صغيرة الحجم حديثة النشأة مثل قطر أن تنتشر علي هذه المساحة المترامية الأطراف، وفي تلك المساحة الزمنية القصيرة نسبيا ! 
والحقيقة أنه لم يكن لقطر دور يذكر في المنطقة حتي علي مستوي مجلس التعاون الخليجي قبل 27 يونيه 1995 وهو التاريخ الذي انقلب فيه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني علي أبيه الشيخ خليفة بن حمد ليتولي هو سدة الحكم في قطر، بطموح ورغبة جامحتين في دور إقليمي يتناسب و إمكانيات قطرالمادية الهائلة، وحتي يتمكن الشيخ حمد البالغ من العمر آنذاك 43 عاما من تحقيق طموحه عمل علي ثلاثة محاور.
المحور الأول: هادن معظم القوي الإقليمية ولو مؤقتا، فظلت سياسته ولو ظاهريا متوافقة مع سياسة دول مجلس التعاون الخليجي، ولم يستثر مصر، واحتفظ بعلاقات طيبة مع إيران.
المحور الثاني: سعي إلي امتلاك ذراع إعلامية قوية، فكانت قناة الجزيرة ذات الإمكانات الهائلة التي ظهرت عام 1996 وبإطلاقها بدأ التحول النسبي في السياسة القطرية بعد أن امتلك احد أهم أسلحة العصر الحديث.
أما المحور الثالث: هو الخطوة الأخيرة قبيل خروج المارد القطري من قمقمه، وهو الحماية الأمريكيةلقطر، وكان من الصعوبة علي قطر أن تنال رضا أمريكا دون أن تنال رضا إسرائيل، فدعا أميرها إلي إلغاء المقاطعة العربية الاقتصادية إلي إسرائيل بعد توليه الحكم بثلاثة أشهر، وأقام علاقات معها توجت بفتح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة عام 1996 بحضور شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، وفي ذات العام سمح للمسئولين الإسرائيليين أن يظهروا علي المواطن العربي من خلال شاشة الجزيرة لأول مرة، وجعل من الجزيرة نافذة لإسرائيل لتبرير عدوانها علي العرب بداعي الرأي والرأي الآخر.
لم يُهدر الشيخ حمد وقتا طويلا، بل اتجه مباشرة صوب أمريكا، فبعد استضافت قطر بعضا من القوات الجوية التي تشرف علي منطقة حظر الطيران المفروض علي جنوب العراق عام 1995، واستمالت إسرائيل، فتح الأمير ذراعي قطر علي مصراعيها أمام أمريكا وسعي إلي استضافة القيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطي، وذلك بإغراء أمريكا من خلال بناء وتفصيل قاعدة العديد العسكرية الضخمة لتناسب والقدرات العسكرية الأمريكية، وتجهيزها علي أعلي المستويات حتي قيل وقتها أن قطر أنفقت عليها ما يقرب من مليار دولار، وبناء علي رغبة القطريين الملحة في استضافة قوات أمريكية اكبر علي أراضيها، عُقدت لقاءات مع الجانب الأمريكي في ابريل من عام 2000 توجت في ديسمبر 2002 بتوقيع الاتفاقية العسكرية بين البلدين لتنظيم الوجود الأمريكي في قاعدة العديد حيث انتقلت القيادة الجوية للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية إلي قاعدة العديد في قطر في عام 2002 في إعلان عن بدء الحماية الأمريكية لقطر وإطلاق يدها في ملفات عديدة في المنطقة تحت المظلة الأمريكية.
وكان علي المارد القطري أن يلبي رغبات من أطلق سراحه وأخرجه من قمقمه، لكنه لم يحدد سقفا محددا للمطالب كما ونوعا، بل انبطح أمام الإدارة الأمريكية التي تمادت في مطالبها، ولم يقف الثمن المدفوع لدور قطري في المنطقة عند حد الاستضافة المجانية للقواعد الأمريكية في مخالفة للعرف الدولي فحسب، بل امتد إلي فتح الخزينة القطرية للصرف علي ملفات دولية عديدة بإيعاز من أمريكا كما حدث في بلدان ما سمي بالربيع العربي، ومع تغلغل الدور القطري في تلك الملفات، ومتطلبات الإنفاق عليها وتذمر قوي عديدة في المنطقة وخارجها من الدور القطري، فإن تكلفة هذا الدور في تصاعد مستمر، مما يضع القيادة القطرية الجديدة في مأزق حقيقي، فهي من ناحية لا يمكنها التراجع بسهولة بعد أن غاصت قدمي قطر في هذه الملفات، كما لا يمكنها تحمل وتبرير التكاليف المادية والسياسية الباهظة الحالية والمستقبلية لمثل هذا الدور في ظل النتائج السلبية التي يخلفها علي الأرض يوما بعد يوم.
لكن السياسة القطرية المتبعة حتي ألان من كسر وحدة الموقف الخليجي سواء بدفع دول خليجية لرفض فكرة الاتحاد الخليجي، أو بتقاربها اللافت مع إيران دون مراعاة لهواجس دول الخليج من مخاطر ملفإيران النووي، أو بدعمها لجماعات متطرفة في سوريا مما شوه صورة المقاومة ضد نظام بشار الأسد أو حتي موقفها من الحالة المصرية كلها مواقف تشي بأن شيئا لم يتغير في السياسة القطرية، وأن الأمير السابق لا زال قابضا علي زمام الأمور يدير دفة الحكم في البلاد، وأن بصمة للأمير الجديد ونظامه لم تظهر بعد، مما يضع علامات استفهام حول قدرة الأمير الجديد علي أن ينفض عن كاهله ركام تلك التركة الثقيلة والخروج سريعا من عباءة والده، ويحد من تفاؤل تلك الأصوات التي راهنت علي مرحلة جديدة للدور القطري تتلافي سلبيات المرحلة السابقة.
إن جموح النظام القطري السابق وخروجه عن السياق العربي هو فشل للأنظمة العربية في احتواء وترويض قوة اقتصادية مؤثرة في المنطقة، ويبدوا أننا علي وشك أن نكرر الخطأ ذاته مع النظام الجديد، والسؤال الذي يتردد في أذهان البعض، لم لا نتعامل مع النظام القطري الجديد وقبل أن تغوص قدماه هو الآخر في وحل هذه الملفات؟ لماذا نكتفي بالتذمر والتململ؟ لماذا لا ننصر قطر ظالمة أو مظلومة؟
اعتقد أن النظام العربي وقواه الفاعلة مطالبة بوقفة جادة مع النظام الجديد ليس صداما وإنما لتعرية الحقائق أمامه، كما أنهم مطالبين بإفساح المجال لدور قطري مقنن يتناسب مع قدرات قطر الاقتصادية وطموحات قادتها الجدد في إطار تقاسم وتكامل الأدوار ضمن منظومة العمل العربي المشترك لتحقيق المصالح العربية العليا.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق