السبت، 23 نوفمبر 2019

قراءة في "الحور العين تفصص البسلة" لـ صفاء النجار - محمد صالح رجب - جريدة الرأي

في مجموعتها القصصية "الحور العين تفصص البسلة"، الصادرة عن دار روافد" تشتبك الكاتبة Safaa Elnagar مع مجتمع لا يزال ينتقص من المرأة ويعتبرها كيانا هامشيا.. استخدام "الحور العين" المستقى من مقدس وهو القرآن والسنة والمرتبط بالأذهان بجمال وكمال لا نظير لهما مع باقي العنوان وهو "تفصص البسلة" كان موقفا للغاية. كأني بالكاتبة تريد أن تعترض وتقول، أن مخلوقا بهذا الجمال والكمال والسمو كرمه خالقه وهو الأعلم به لا يليق بها أن تُجتزئ وظيفتها في تفصيص البسلة أو بمعنى أخر لا يجب أن تُجتزئ وظيفتها في الحياة على الخدمة ولو كانت لأقرب الأقربين..
من هذا المدخل ومن عتبة النص الأولى تشتبك الكاتبة مع المجتمع بموروثاته التي تنال من المرأة وتعتبرها كيانا هامشيا بالمخالفة مع تعظيم الله لها، وعبر 15 قصة تعرض لنا مشاهد من هذا الامتهان والانتقاص وتستفز ما بدواخلنا من قدسية عبر استخدام "الحور العين" الذي ربما لم يستخدم قط إلا في القرآن والسنة إلى احترام المرأة.، بل ان ثمة مقارنة ملفتة بين وضعي المقدس ف السماء وحين يهبط إلى الأرض..فالأديان كما كل مقدس في السماء حين هبطت إلى الأرض امتهناها، والمرأة التي هي حور العين في السماء، امتهناها على الارض .. في قصة" الأميبا " وحين تصف مظاهر رقة الله لحالها تقول: " منحها ساقين رخاميتين، ومؤخرة مرمرية ، وترك الصدر والبطن كما نحتهما الملاك، وسيكون على البنت حين يتفتح نوار ثدييها أن تؤدي كل صباح تمرين ضغط الكرة للحائط ثلاثين مرة، وتمرين شد البطن عشرين مرة فقط، وكانت هذه التمارين صلاتها الدائمة التي تعبر عن امتنانها العميق للحظات التي يتدخل فيها الرب ليحميها.." ربما لم يكن عفويا هذا الترتيب التصاعدي، من الساقين صعودا الى الثديين، هذا الترتيب الذي يشي بالارتقاء والمكانة العالية نعمة من الله تستوجب الشكر والعمل عندما تصبح مكلفة ، حين تبلغ ويتفتح نوار ثدييها فتلجأ إلى تلك التمارين التي هي بمثابة صلاة شكر لله الذي يتدخل ليحميها... ورغم أن البعض ـ انتقاصاـ يريد لها أن تكون كالأميبا بلا شكل محدد إلا أنها تقاوم و لا تكترث لنظراتهم المتلصصة المستنكرة وتخرج بثقة بجسدها كما باركه الرب.
- وفي قصة "في انتظار ما قد أتي" قدمت متوالية ثلاثية تفوح منها رائحة مرحلة سياسية بعينها تقدم فيها تيار الاسلام السياسي صدارة المشهد، بدأت المتوالية بتوصيف لتلك التنظيمات التي لا تقبل غريبا بينهم حتى ولو كانت الشمس والعتمة ولا حتى سيدات عجائز ليس بينهم وبين الله حجاب وهنا مفارقة مدهشة فتلك العجائز بينها وبين الله عمار في حين ان كثيرا من تابعات هذا التيار يحول حجابهن بينهن وبين الله... وفي ختام تلك المتوالية ينبت الريش من خلف القيود إيذانا بالانعتاق إلى الحرية، ورغم قسوة الاقتياد والترهيب بعشرات الطيور المعلقة المصعوقة تمردت وفردت جناحيها صوب الحرية.
3- وفي نصي : في انتظار ما قد اتي" و " في انتظار من قد يأتي" رغم التشابه الكبير بين عنواني القصتين غير ان مسافة شاسعة بينهما، ففي الأولى استخدمت الكاتبة " ما" بما تعنيه أن القادم غير آدمي، في حين استخدمت في الثانية "من" بما تعنية أن القادم آدمي، في الأولى استخدمت الماضي "أتى " بعد قد بما يفيد التأكيد ، فكسر القيود والانعتاق طيرا باتجاه الحرية قد بدأ بالفعل، في حين استخدمت المضارع "يأتي" بعد قد بما يعني ان القادم المخلص لا يزال احتمالا غير مؤكد.
الايقاع المؤلم الحزين يستمر في نص "الايام التي لا تطيب" فثمة شيء ما ناقص، مبتور، والقطارات التي تعود خالبة من ضحكات الصحاب، ومن عناق ايدي العشاق الصغار، والسيدة لا تزال نائمة لا تمتلك ارادة حركتهاإنما تتحرك وفق صانع احلامه..
- وفي العطية " ظلت روحها تطوف وفي آخر الليل تعود إلى دير العذرا بجبل الطير تحمي المنبوذين الذين تودعهم دموع دامعة، وتبعد عنهم القوارض والذئاب الجائعة، ثم جاءت حسونه واسقته حتى ارتوى الزمار لأول مرة وبعد موته لم تعد تخشى من ثرثرته وهذيانه..
- وفي نص "ومن أحياها.." يتواصل سحق حور العين ، التي أفنت عمرها ف الطاعة وجسدها في القيام والقعود واكتسبت مالها من النقوش وفك الألغاز لكنها لا تعرف فيما أنفقته لأن الانفاق لم يكن بيدها. ومن قلب الإنسحاق وتلقي الصدمات، ثمة دعوة لعدم الموت، فالموتى العائدون لا يكونون في كامل لياقتهم كي يرقصوا التانجو او الهيلاهوب، هم على اقصى تقدير يصفقون حين ينتهي العرض المسرحي.
في هذا العمل حافظت على ذات المستوى من الاجادة والعمق، بل وحافظت على الخط الواصل بين نصوص المجموعة فبدت مترابطة يكمل بعضها بعضا في اتجاه الهدف المرسوم وهو الانتصار للمرأة.

الأربعاء، 17 يوليو 2019

"صلاح، محرز والطرف الثالث" بقلم محمد صالح رجب"



   "صلاح، محرز والطرف الثالث" بقلم محمد صالح رجب"

المتابع للمشهد يستشف محاولة مستميتة لاستثارة جمهور الجزائر والذي يحل ضيفا كريما على بلده الثاني مصر لحضور المباراة النهائية في كأس الأمم الإفريقية 2019 المقامة في مصر والتي أحد طرفيها الجزائر الشقيق. طرف بعينه لا يخفى على أحد يحاول أن يسجل نقطة عَجَز عن تسجيلها طيلة أيام البطولة للنيل من نجاحها وتشويه الصورة المبهرة التي بدت عليها مصر خلال البطولة. تعبث الأيادي الخبيثة الآن من أجل إحداث فتنة بين البلدين الشقيقين، أو على الأقل الحصول على لقطة هنا أو هناك أو هتاف ضد الدولة المصرية أو رموزها معتقدين أن "الحماسة" التي يتميز بها الجزائريون يمكن أن تساعدهم في ذلك. آخر فصول الفتنة تلك هو ذلك الصراع المفتعل حول لقب فخر العرب والذي تقف خلفه جماعة الإخوان بدعم من الأذرع الإعلامية المعتادة التي تساندها أو تستغلها.
التنافس حول هذا اللقب لو في إطاره الرياضي لكان صحيا، لكن هدف الجماعة ومن يقف خلفها يتخطى كونه تنافس رياضي مشروع إلى إحداث وقيعة بين الشعبين والحصول على نقطة يتاجرون بها ويشوهون بها الإنجاز الكبير ناصع البياض.
تشويه الأوطان وانجازاتها ورموزها الوطنية التي ليست على هوى الجماعة هدف دائم للجماعة، كل ما يمكن أن يضيف إلى الوطن هو عدو لهم، لذا لا خجل أن يكرروا "طز في مصر" فالوطن لديهم ما هو إلا "حفنة تراب".. آخر محاولتهم بعد أن يئسوا من استمالة محمد صلاح والذي بات رمزا وطنيا هو تشويه اللاعب، ومنازعته ألقابه بآخرين كالذي يحدث الآن حول من هو فخر العرب: محمد صلاح أم رياض محرز؟ وبالطبع الجزيرة وأخواتها أدواتهم في تلك المهمة، اختيار محرز تحديدا وفي هذا التوقيت، قبيل المباراة النهائية لكأس إفريقيا والمقامة في "مصر" والتي أحد طرفيها "الجزائر" ليس من قبيل المصادفة، والهدف واضح.
الجمهور الجزائري الشقيق والذي استقبل بترحاب في مصر، مطالب بألا يقع في الفخ وألا يسمح باستغلاله، الشئ ذاته للمصريين عليهم أن يفوتوا الفرصة على الطرف الثالث الذي اعتاد تعكير الأجواء ليتمكن من الاصطياد فيها.






الأحد، 23 يونيو 2019

قراءة في رواية أشرف الخمايسي (انحراف حاد) - دنيا الوطن - محمد صالح رجب


https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2019/06/23/495320.html

قراءة في رواية أشرف الخمايسي (انحراف حاد) بقلم: محمد صالح رجب

 في روايته "انحراف حاد" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2014، والتي دخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عام 2015، يطرح أشرف الخمايسي سؤلا غير منطقي: هل يستطيع الإنسان أن يقهر الموت؟ إجابتك السريعة، والبديهية، بالنفي هي موضوع هذه الرواية، حيث يدعوك الكاتب إلى التريث وإعمال العقل والتفكر وكشف مكامن القوة بداخلك، من خلال شخصية "صنع الله" التي ابتدعها، والتي يقول عنها" لزم الانعزال ،واستمر يدعوا الناس عبر الأزمنة، فرادى، يخترق حياتهم، ويدعوهم إلى اكتشاف قيمتهم الحقيقة، والى قراءة محايدة للكتب التي يقدسونها، وأن يحللوا تصرفات أنبيائهم بعقل مستنير بعلوم حاضرهم، ليعرفوا أن الله مجد الإنسان، وعلى الإنسان أن يخرج مكامن عظمته، كي يعرف كم هو الله أعظم مما يتصور. يدعوهم، فمن يؤمن بقدرة الإنسان على تحصيل الخلود يرسله ليسعى بين الناس بالفكرة المهيبة، ومن لا يؤمن يدفع به إلى ما يؤمن به من موت، فيدبر له سبل القتل، ومن غير رحمه، فنبتة الخلود يجب أن ينقى ما حولها من محبي الفناء، ومقدسيه).

 في تلك الرواية، قبض الخمايسي قبضة عشوائية من الشعب المصري، فأفرزت خمس عشرة شخصية، مثَّلت عينة عشوائية من المجتمع وكل منها وراءها قصة، حملت تلك العينة متناقضات وتنوع الشعب المصري، فكان منها المتدين والمنحل، العجوز والشاب، الرجل والمرأة والطفل، كان منها المسلم والمسيحي، المدني والعسكري، الصعيدي والقاهري..استقلوا جميعا سيارة ميكروباص بيضاء ذات إطار فضي، حملت لوحة مرورية رقم 345678 أجرة أسيوط، يقودها أبو أميرة الذي يعمل في تلك المهنة منذ ثلاثين عاما والذي تفنن في الاعتناء بها، فكانت كما كتب على واجهتها " وزيناها للناظرين ".

لم يلتزم الخمايسي بالترتيب الزمني للأحداث ولم يعتمد على عمودية السرد حيث التتابع المنطقي للأحداث المفضي إلى نهاية متوقعة، وإنما كانت له مناوراته السردية التي تدفع السأم والملل عن المتلقي، فبعد أن اختار تجمع هذا العدد من شخصياته في سيارة ميكروباص أجره، كانطلاقة، ونقطة بدء، اعتمد المفارقة الزمنية، واستخدم  بشكل واسع تقنية الاسترجاع لاسيما الاسترجاع الداخلي، وبدرجه اقل الاسترجاع الخارجي، ليكشف لنا، من خلال راوٍ عليم، يوجه الأحداث ويبدي وجهة نظره ويعرض فلسفته للحياة، عن أحداث جديدة تضيء لنا جوانب من شخصياته الروائية والتي أولاها ما تستحق من عناية باعتبارها العمود الفقري للعمل الروائي، فترك لها الحرية في مواضع مختلفة، لتسرد الأحداث على لسانها ومن وجهة نظرها وعبر مستويات عدة من اللغة. لم يكتف الكاتب بإظهار الأبعاد الخارجية لشخصياته، وإنما تغلغل داخلها ليخرج لنا أبعادها الداخلية وما يختلج في الصدور، ناهيك عن شبكة العلاقات التي ترتبط بها، بما فيها علاقتها بالأمكنة والذي انعكس على سلوكها الشخصي.فحين يتحدث عن"حميد المجري" أخطر نصاب، تحدث عن عشوائية المنطقة التي يسكنها، تلك المنطقة القادرة على إيواء البشر والعقارب والفئران والتي يسكنها خطرون، ولن يغامر الضباط والعساكر بالمشي فيها مسافات طويلة ليداهموا غرفة مسجل خطر.

رحلة الحياة العابرة للوصول إلى الخلود، رحلة شاقة حيث الطرق الصعبة،المنحنية التي تفاجئنا عند كل منحنى بما يدهشنا، ومن ثم فهي في حاجة إلى قائد محنك يمسك بذمام الأمور ويمنعها من الانحراف الحاد، هكذا فعل الكاتب حين أتاح لنا الاندهاش مع كل منحنى دون أن يفقد سيطرته على نصه الذي بدا متماسكا، مترابطا، معتمدا مبدأ السببية، فما كان للمجند "ياسر المبروك" أن يغضب إلا أن العقيد أمعن في سبه بأمه، وما كان "ياسر المبروك" ليحاكم عسكريا لولا أنه رد الإهانة ذاتها إلى العقيد "هاني علي الدين"، وما كان الشارع ليستقطب" سوسن" لولا أنها تاهت صغيرة، وما كانت "نوال" لتسكن القاهرة لولا وجود قريب لها... وهذا السائق المحترف الذي قضى في هذه المهنة ثلاثين عاما من عمره البالغ خمسة وثلاثون، ما كان له أن ينحرف دون الانشغال المفرط بتلك المرأة الجميلة، ومحاولة الربط بينها وبين "سوسن" التي عرفها في لقاء حميمي وحيد منذ سنتين، وما كان النص عموما ليفصح عن مكنوناته وعن تلك التفاصيل المدهشة دون أن يكون الانحراف "حادا"..

كان لافتا أن يكون الشيخ والقسيس في المقدمة، في المقعد الأمامي إلى جوار السائق، فالأمر يبدوا أنه مقصود، لاسيما إذا ربطنا بين ذلك وما جاء على لسان " زياد" في أحد حواراته، حين قال: (سبب المشاكل مش ربنا ؟؟ الناس اللي بتتكلم نيابة عنه)، يقصد أن هؤلاء الذين يتكلمون نيابة عن الله هم سبب المشاكل.وفي حوار الشيخ "الغريب" مع "صنع الله"، يقول" من لا يستطيع العوم لا يتقدم لقيادة السفن"، وكأني بالكاتب يريد أن يقول أن رجال الدين والذين يتحدثون باسم الله هم من يتصدرون المشهد الآن، وهم سبب ما نعانيه من مشاكل، وما يعزز تلك الفرضية هو شخصية "صنع الله" ذاتها، تلك الشخصية التي تسعى إلى تعظيم الله، وتتحدث باسمه، لكنها تدعوا الناس إلى ما يخالف شرع الله، فتعظيم الله الذي تسعى إليه، مؤكد لن يكون بمعصية الله، وإنكار الموت،والبعث، والحساب.. وهذا يحيلنا إلى العنوان مرة أخرى "انحراف حاد"، أي انحرف حاد كان يقصد؟ أهو انحراف الوسيلة والنهج؟ أم انحراف القصد والهدف، أم أن الانحراف الحاد كان في طرح مثل تلك القضايا التي تمس المقدسات؟.

ورغم أن الأسئلة العديدة التي فجرها النص ظلت حائرة، دون إجابات، إلا أنه نجح في هز العقول هزة عنيفة وبشكل قاسٍ، ودفع أصحابها للتفكير واستخدام نعمة العقل التي هي منحة من الله، فالشخص الذي يكتشف قدراته مؤكد سيكون أكثر تعظيما لمن وهبه الحياة..

" محمد صالح رجب "

قراءة في رواية أشرف الخمايسي (انحراف حاد) بقلم: محمد صالح رجب


https://thakafamag.com/?p=25173

قراءة في رواية أشرف الخمايسي (انحراف حاد)

بقلم: محمد صالح رجب
في روايته “انحراف حاد” الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2014، والتي دخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” عام 2015، يطرح أشرف الخمايسي سؤلا غير منطقي: هل يستطيع الإنسان أن يقهر الموت؟ إجابتك السريعة، والبديهية، بالنفي هي موضوع هذه الرواية، حيث يدعوك الكاتب إلى التريث وإعمال العقل والتفكر وكشف مكامن القوة بداخلك، من خلال شخصية “صنع الله” التي ابتدعها، والتي يقول عنها” لزم الانعزال ،واستمر يدعوا الناس عبر الأزمنة، فرادى، يخترق حياتهم، ويدعوهم إلى اكتشاف قيمتهم الحقيقة، والى قراءة محايدة للكتب التي يقدسونها، وأن يحللوا تصرفات أنبيائهم بعقل مستنير بعلوم حاضرهم، ليعرفوا أن الله مجد الإنسان، وعلى الإنسان أن يخرج مكامن عظمته، كي يعرف كم هو الله أعظم مما يتصور. يدعوهم، فمن يؤمن بقدرة الإنسان على تحصيل الخلود يرسله ليسعى بين الناس بالفكرة المهيبة، ومن لا يؤمن يدفع به إلى ما يؤمن به من موت، فيدبر له سبل القتل، ومن غير رحمه، فنبتة الخلود يجب أن ينقى ما حولها من محبي الفناء، ومقدسيه).
في تلك الرواية، قبض الخمايسي قبضة عشوائية من الشعب المصري، فأفرزت خمس عشرة شخصية، مثَّلت عينة عشوائية من المجتمع وكل منها وراءها قصة، حملت تلك العينة متناقضات وتنوع الشعب المصري، فكان منها المتدين والمنحل، العجوز والشاب، الرجل والمرأة والطفل، كان منها المسلم والمسيحي، المدني والعسكري، الصعيدي والقاهري..استقلوا جميعا سيارة ميكروباص بيضاء ذات إطار فضي، حملت لوحة مرورية رقم 345678 أجرة أسيوط، يقودها أبو أميرة الذي يعمل في تلك المهنة منذ ثلاثين عاما والذي تفنن في الاعتناء بها، فكانت كما كتب على واجهتها ” وزيناها للناظرين “.
لم يلتزم الخمايسي بالترتيب الزمني للأحداث ولم يعتمد على عمودية السرد حيث التتابع المنطقي للأحداث المفضي إلى نهاية متوقعة، وإنما كانت له مناوراته السردية التي تدفع السأم والملل عن المتلقي، فبعد أن اختار تجمع هذا العدد من شخصياته في سيارة ميكروباص أجره، كانطلاقة، ونقطة بدء، اعتمد المفارقة الزمنية، واستخدم بشكل واسع تقنية الاسترجاع لاسيما الاسترجاع الداخلي، وبدرجه اقل الاسترجاع الخارجي، ليكشف لنا، من خلال راوٍ عليم، يوجه الأحداث ويبدي وجهة نظره ويعرض فلسفته للحياة، عن أحداث جديدة تضيء لنا جوانب من شخصياته الروائية والتي أولاها ما تستحق من عناية باعتبارها العمود الفقري للعمل الروائي، فترك لها الحرية في مواضع مختلفة، لتسرد الأحداث على لسانها ومن وجهة نظرها وعبر مستويات عدة من اللغة. لم يكتف الكاتب بإظهار الأبعاد الخارجية لشخصياته، وإنما تغلغل داخلها ليخرج لنا أبعادها الداخلية وما يختلج في الصدور، ناهيك عن شبكة العلاقات التي ترتبط بها، بما فيها علاقتها بالأمكنة والذي انعكس على سلوكها الشخصي.فحين يتحدث عن”حميد المجري” أخطر نصاب، تحدث عن عشوائية المنطقة التي يسكنها، تلك المنطقة القادرة على إيواء البشر والعقارب والفئران والتي يسكنها خطرون، ولن يغامر الضباط والعساكر بالمشي فيها مسافات طويلة ليداهموا غرفة مسجل خطر.
رحلة الحياة العابرة للوصول إلى الخلود، رحلة شاقة حيث الطرق الصعبة،المنحنية التي تفاجئنا عند كل منحنى بما يدهشنا، ومن ثم فهي في حاجة إلى قائد محنك يمسك بذمام الأمور ويمنعها من الانحراف الحاد، هكذا فعل الكاتب حين أتاح لنا الاندهاش مع كل منحنى دون أن يفقد سيطرته على نصه الذي بدا متماسكا، مترابطا، معتمدا مبدأ السببية، فما كان للمجند “ياسر المبروك” أن يغضب إلا أن العقيد أمعن في سبه بأمه، وما كان “ياسر المبروك” ليحاكم عسكريا لولا أنه رد الإهانة ذاتها إلى العقيد “هاني علي الدين”، وما كان الشارع ليستقطب” سوسن” لولا أنها تاهت صغيرة، وما كانت “نوال” لتسكن القاهرة لولا وجود قريب لها… وهذا السائق المحترف الذي قضى في هذه المهنة ثلاثين عاما من عمره البالغ خمسة وثلاثون، ما كان له أن ينحرف دون الانشغال المفرط بتلك المرأة الجميلة، ومحاولة الربط بينها وبين “سوسن” التي عرفها في لقاء حميمي وحيد منذ سنتين، وما كان النص عموما ليفصح عن مكنوناته وعن تلك التفاصيل المدهشة دون أن يكون الانحراف “حادا”..
كان لافتا أن يكون الشيخ والقسيس في المقدمة، في المقعد الأمامي إلى جوار السائق، فالأمر يبدوا أنه مقصود، لاسيما إذا ربطنا بين ذلك وما جاء على لسان ” زياد” في أحد حواراته، حين قال: (سبب المشاكل مش ربنا ؟؟ الناس اللي بتتكلم نيابة عنه)، يقصد أن هؤلاء الذين يتكلمون نيابة عن الله هم سبب المشاكل.وفي حوار الشيخ “الغريب” مع “صنع الله”، يقول” من لا يستطيع العوم لا يتقدم لقيادة السفن”، وكأني بالكاتب يريد أن يقول أن رجال الدين والذين يتحدثون باسم الله هم من يتصدرون المشهد الآن، وهم سبب ما نعانيه من مشاكل، وما يعزز تلك الفرضية هو شخصية “صنع الله” ذاتها، تلك الشخصية التي تسعى إلى تعظيم الله، وتتحدث باسمه، لكنها تدعوا الناس إلى ما يخالف شرع الله، فتعظيم الله الذي تسعى إليه، مؤكد لن يكون بمعصية الله، وإنكار الموت،والبعث، والحساب.. وهذا يحيلنا إلى العنوان مرة أخرى “انحراف حاد”، أي انحرف حاد كان يقصد؟ أهو انحراف الوسيلة والنهج؟ أم انحراف القصد والهدف، أم أن الانحراف الحاد كان في طرح مثل تلك القضايا التي تمس المقدسات؟.
ورغم أن الأسئلة العديدة التي فجرها النص ظلت حائرة، دون إجابات، إلا أنه نجح في هز العقول هزة عنيفة وبشكل قاسٍ، ودفع أصحابها للتفكير واستخدام نعمة العقل التي هي منحة من الله، فالشخص الذي يكتشف قدراته مؤكد سيكون أكثر تعظيما لمن وهبه الحياة..
*محمد صالح رجب 
كاتب من مصر

الأربعاء، 19 يونيو 2019

فستان زفاف - قصة قصيرة - محمد صالح رجب


http://kataba.online/%D9%81%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%B2%D9%81%D8%A7%D9%81-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%B1%D8%AC%D8%A8/?fbclid=IwAR1l2VystLJgNNrUNf45BLNuHELEcpjm6-rzkGESrDKQY3e45Ct2y7C9COM

فستان زفاف - قصة قصيرة - محمد صالح رجب
هي كالأخريات من حقها أن تكون عروسا.. من حقها كأنثى أن تستمع بزوج تسكن إليه ويسكن إليها، من حقها أن يكون لها ذرية يكونوا قرة عين لها في الدنيا وتصلها دعواتهم بعد الممات، لكنها لم تفكر يوما في هذا الحق، كيف لها أن تكون كالأخريات؟ موظفة بسيطة، تجاوزت الثلاثين، لم تنل حظا وافرا من التعليم وبهذا الجسد الضخم، كيف لها أن تحب و تتزوج؟ من هذا الذي فقد عقله ليتقدم لها؟ لقد تعايشت مبكرا  برضا مع هذا الواقع، وأخمدت بداخلها كل أمل في الزواج، اليوم كعادتها نهاية كل شهر وبعد أن تسلمت راتبها راحت تتنقل ليلا بين فتارين الملابس، العثور على مقاس يناسبها أمر جد صعب، شد انتباهها فستان زفاف يبدو مناسبا لها، أطالت النظر إليه، حرك بداخلها أشياء كانت قد أخمدتها، سخرت من نفسها: " فستان قبل العريس "!!  عادت و توقفت للحظات عند ثمنه الذي لا تقوى على دفعه، لكنها لم تستطع مقاومة شعور خالجها، اندفعت نحوه،لم تهتم لنظرات الريبة التي علت وجه عاملة المتجر، هي تعرف سببها جيدا.. عروس تشتري فستان زفاف دون عريسها بالتأكيد أمر مثير للدهشة.. طلبت الفستان للقياس، وبمجرد أن وضعته على جسدها ونظرت في المرآة، تملكها إحساس بالفرح، شعرت أنها بالفعل عروس، غرفة القياس صارت وكأنها قاعة أفراح غصت بالمدعوين، التهاني تنهمر عليها، أصوات الزغاريد ترن في أذنيها.. لم تغضب لنظرات الغيرة من بعضهن، فقد عانت منها من قبل.. أمها التي تكابد دموع الفرح تتنقل بين الحضور مزهوة.. تتابعها وهي تقترب من بعضهن وتهمس لهن "عقبال عندكم".. أبوها يسير نحوها مرفوع الرأس، يصطحبها بزهو ثم يسلمها إلى عريسها، أصوات الدفوف والطبول تتعالى.. يترامى لمسامعها هذا اللحن الذي طالما حلمت به: " اتمخطري..يا حلوة يا زينة..يا وردة .. من جوه جنينة "..حالة من النشوة تسيطر عليها..  غير أن عاملة المتجر لم تمنحها وقتا كافيا للفرح، سألتها: هل أعجبك؟ أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها نعم أعجبني، لكنها لم تفعل، اكتفت برد باهت عندما هزت رأسها بالنفي، ناولتها الفستان في تردد، وعيناها تحدق به وتتابعه في صمت.. كانت تفكر في ذلك الذي تحرك بداخلها..


الاثنين، 17 يونيو 2019

اتحاد كتاب الدقهلية يحتفي بالكاتب محمد صالح رجب

مناقشة المجموعة القصصية ضد الكسر للكاتب محمد صالح رجب



https://www.facebook.com/160497824009270/videos/562679240892185/

الاستاذ سمير بسيوني ومجموعة من كتاب الدقهلية يناقشون المجموعة القصصية " ضد الكسر " للكاتب محمد صالح رجب بالنقابة الفرعية لاتحاد كتاب مصر فرع الدقهلية ودمياط بالمنصورة.

الأحد، 16 يونيو 2019

قراءة في قصص محمد صالح رجب " ضد الكسر ".. بقلم: سمية عودة

قراءة في قصص محمد صالح رجب "ضد الكسر".. بقلم: سمية عودة



في مجموعته القصصية "ضد الكسر" الصادرة عن دار الأدهم في عام 2015، اختار محمد صالح رجب زاوية مميزة هي في الغالب محاولة لاسترجاع بعض مشاهد الماضي من خلال ضمير المتكلم أو ضمير الغائب، ومن ثم يتولد الإحساس بالدراما عند المقابلة بين حدثين أو شخصين أو لحظتين أحدهما ماضية عميقة متجذرة في اللاوعي ولحظة آنية حاضرة بكل مقوماتها.
المجموعة في أغلبها انتصار للمرأة بدا ذلك من عتبة النص الأولى؛ في اختياره للاسم والذي يرفض انكسار المرأة ومن غلاف المجموعة الذي حمل صورة لامرأة ترفض الانكسار، لها عين واحدة شامخة مليئة بالتحدي، رغم المعاناة بغياب العين الأخرى.وايضا في ذلك الاهداء الذي خص به ابنته "ايمان" التي وصفها بالزهرة التي عطرت حياته. أغلب النصوص حملت مشاكل وهواجس وأنات المرأة في مراحل عمرية مختلفة، الصبية التي لم يتجاوز عمرها عشر سنوات رفضت الانكسار في نص "عروسة وعريس" رغم الألم الذي صاحب تجربتها، الأمر ذاته حدث للراقصة الشابة في "عرايا"، والتي رفضت أن تنكسر أمام قسوة مجتمع لا يشبعه الا العرايا، ولم تستسلم الشابة في "شق القمر" وانتفضت في وجه الظلم والتهميش، وفي نص "وجع" ظلت الأم صامدة رغم مرارة الفقد والفقر وعبء المسؤولية، مرارة الفقد كانت حاضرة ايضا وبقسوةفي نص "رائحة المطر"، تلك الرائحة التي تجعل الأرملة، ميسورة الحال، تبتسم رغم الألم وتدمع رغم الفرح، حيث ارتبط المطر ورائحته في ذاكرتها بلحظات السعادة والفقد معا..
  واستمرت نصوص المجموعة تنتصر للمرأة على هذا المنوال، فترفض الشابة الانكسار في نص "فستان زفاف " رغم الألم، الشيء ذاته فعلته الجدة التي تحتضر في نص " ضد الكسر".. وتلك الصرخة المدوية التيعَرَّت وهتكت صمت المجتمعوالتي اطلقتها الشابة في نص "صرخة " عند موت الأم المقهورة .
انتصار الكاتب للمرأة في نصوص المجموعة امتد من الطفولة الى الممات، فتناولها طفلة وشابة وعروس وأم ومطلقة وأرملة وجدة ومتوفاةوأيضا حمل قائمة بكثير من قضاياها من قبيل: الزواج المبكر والعنوسة والفتور في العلاقات الزوجية والسمنة والتمييز والتهميش وغيرها من الموضوعات.
لم تخلو المجموعة من نص أو أكثر يشير الى زمن المجموعة، ظهر ذلك في نص "رائحة الخبز" الذي رصد أحداث ثورة يناير 2011 وإن لم يشر اليها صراحة،لكنه ارتباط الزمان بالمكان، فالمكان المتمثل في ميدان التحرير المكتظ بالمتظاهرين وبكاميرات التلفاز، افصح عن الزمان. ورغم أن " رائحة الخبز" شَكَّل أحد نصين لم يذكر فيهما المرأة إلا أنهما ارتبطا ارتباطا وثيقا بها وشكلامع باقي النصوص مضمونالرسالة التي أراد الكاتب أن يرسلها، وإذا كانت "رائحة الخبز"تشي أن المجموعة كتبت في أعقاب ثورة يناير، حيث كانت المرأة هدفا لسهام بعض ممن تصدروا المشهد في ذلكالوقت، فإن نص " الشيخ مجدي" الذي خلا هو الآخر من ذكر المرأة يشير على استحياء إلى هؤلاء البعض الذين استهدفوا المرأة ومكتسباتها التي ناضلت من أجلها كثيرا.
جاء السرد في المجموعة تلقائيا ومتدفقا في جمل رشيقة مكثفة وتليغرافيه، وبلغة سلسلة، تخلو من الأخطاء الإملائية و تتناسب مع شخوص المجموعة وبيئتها، معظم النصوص بعيدة عن كل ما هو غريزي؛الذاكرة في المجموعة تجاهد من أجل الوصول إلى لحظة النقاءفتساهم في إماطة اللثام عن جوانب مظلمة من حياة المرأة وتسليط الضوء على قضاياها.وكما كانت المرأة هي المحور الرئيسي للحدث في معظم القصص نجدها هي المحرك الرئيسي أيضا للدراما في باقي القصص، مثل ( وفاء ) و( الأستاذ محمدين ).
كان رائعا أن ينتصر قلم ذكوري للمرأة كما حدث في تلك المجموعة، وفي تلك القراءة ينتصر قلم نسائي لتلك المجموعة ولكاتبها الذي أجاد التعبير عن هموم ومشاكل المرأة، هكذا الأدب، إنساني، والإنسانية تستوي عند الرجل والمرأة..

"سمية عودة "

عروسة وعريس قصة قصيرة للكاتب محمد صالح رجب

عروسة وعريس: في مساء عادي .. يفترش أبي الأرض، يرتشف شيئا من الشاي، قبل أن يعاود ويسحب نفسا عميقا من الشيشة، يكتمه قليلا ثم ينفثه في الهواء منتشيا، ليتصاعد...