الخميس، 23 فبراير 2012

جنون ( قصة بقلم : محمد صالح رجب )


توهمت أني قد تخلصت من تلك الفكرة التي ظلت تراودني طيلة ليلة أمس ، لكني وجدتها أكثر إلحاحا عندما هممت بالنزول إلى عملي.. توقفت قليلا ، أحاول أن ألجم نفسي وأتساءل : لماذا أجرب ؟! ياتيني الرد سريعا : ولماذا لا أجرب ؟! .. لأتي ببساطة سوف أتهم بالجنون .. وماذا في ذلك ..إنها تهمة عقلاء هذا الزمان ..
ولأن الطبع يغلب التطبع  ، فقد قررت أن أخوض التجربة..استجمعت شجاعتي والتي كثيرا ما تسببت لي في متاعب عدة .. استعنت بالله فالأمركله له.. نزلت من شقتي بالطابق الخامس ، كالعادة المصعد معطل .. لا مشكلة .. نزلت الدرج في انتظار أول شخص أقابله ..لم أقابل أحدا .. عمي عبده البواب ..السلام عليكم ..لاجديد فهذه عادتي معه..
وقبل أن أخوض التجربة كاملة ، طرأ على ذهني إضافة بسيطه على الفكرة:
- لم لا أسلم على كل من أقابله يدا بيد ؟!
مرت لحظة تفكير ثم مالبثت أن تراجعت عن هذا التعديل .... ألقيت نظرة فاحصة  إلى الشارع  الذي بدأت تدب فيه الحركة .. أغلب الوجوه مكفهرة ، شاردة الذهن ، تشعر أن سيلا من الأفكار تتصارع بداخها حتى أن أصحابها لا يشعرون بمن حولهم .. التيه سمة الوجوه .. بينما السيارات تلك الكتل المعدنية المعلبة بالبشر لا تراها إلا مائلة إلى أحد الاتجاهات الأربع .. كثيرا ما كنت أحلم أن أصعد إلى الحافلة فأجد مكانا خاليا ، لكن من حسن حظي  أن منزلي ليس ببعيد عن مكان العمل ، لذا تجدني أفضل الذهاب إلى عملي مترجلا ..أخذت نفسا عميقا  .. سرت في الشارع مبتسما .. التفت يمينا ويسارا مرددا : السلام عليكم .. السلام عليكم .. سلكت الطريق المؤدي إلى عملي وأنا أخوض التجربة كاملة على هذا المنوال، غير مكترث لنظرات البعض التي تتهمني بالجنون ، و لا أؤلئك الذين يرتدون خطوة أو اثنتين إلى الوراء وكأني بي جرب .. لكني كنت سعيدا فهناك من بادلني الأمر بابتسامة ، ليس مهما إن كانت ابتسامة سخرية ..
ذهبت إلى عملى منتشيا بعد تلك التجربة .. أطلقت سلامي المعتاد على الحضور .. جلست إلى عملي  غير مهتم لتلك الحوارات الجانبية من حولي.. دخل زميلي أحمد متأخرا كعادته .. كان مكفهرا هو الأخر ..جلس إلى جواري :
صباح الخير .. بادلته التحية بسؤال :
لماذا لا تقول السلام عليكم ؟ الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول أفشوا السلام بينكم ..
رد منفعلا شاهرا يده في وجهي .. إنت هتعمل فيها شيخ .. أنت غلبت على رجل مجنون مفيش كلام للناس إلا عنه .. اللي رايح واللي جاي  يقول له : السلام عليكم ..
ابتسمت في وجهه متجاهلا وأنا أردد في نفسي :
الأمر كان متوقعا ..
                                                  ( تمت )                           محمد صالح رجب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق