الخميس، 7 ديسمبر 2017

المرشد رواية جديدة عن دار الأدهم للكاتب محمد صالح رجب - الوطن


https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/12/07/451397.html



صدر حديثا عن دار الأدهم للنشر والتوزيع بالقاهرة رواية " المرشد " للكاتب محمدصالح رجب .
 وتدور أحداث الرواية في فترة حرجة من تاريخ مصر المعاصر، بتفاصيلها الملتهبة، والتي شهدت صعود تيارات الإسلام السياسي و صدام بعض منها مع الدولة.
ومن أجواء الرواية:
" في مشهد مهيب يخلع القلوب كان " حسين " مسجى على خشبة طولية في غرفة ضيقة وقد أحاط به بعض الأخوة وقد شرعوا بإجراءات الغسل..طقوس وجهد كبير بذلته الجماعة لإضفاء الصبغة الدينية على العملية وتثبيت حسين ومن معه على أن عمليتهم هذه إنما هي لله ونصرة لدينه، ونصرة الدين ليست بالدعوة فقط وإنما بالدعوة والجهاد، " كتاب يهدي وسيف ينتصر"، ونحن الآن ننتصر بالسيف ليس لسارة وحدها وإنما لعشرات مثلها، ننتصر ونقتص ممن قتل الأطفال واغتصب النساء وهدم المساجد وقتل الساجدين وضيق على المسلمين وحارب الله ورسوله.."

محمد صالح رجب، كاتب مصري، عضو اتحاد كتاب مصر 

الاثنين، 4 ديسمبر 2017

سقطة " شفيق" بعشرة... بقلم : محمد صالح رجب

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/12/05/451227.html

سقطة " شفيق" بعشرة... بقلم : محمد صالح رجب
ضجة كبيرة صاحبت إعلان الفريق أحمد شفيق عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، هذه الضجة الكبيرة تفصح عن مكانة الرجل الرفيعة، ليس بحكم مناصبه السابقة كوزير للطيران 10 سنوات ورئيس وزراء أسبق، ومرشح رئاسي في انتخابات عام 2012 والتي خسرها أمام المرشح الإخواني محمد مرسي، فحسب وإنما أيضا لأن الرجل ابن المؤسسة العسكرية التي تحظى بمكانة رفيعة في قلوب المصريين.
مكانة الفريق تلك جعلت المصريين يغضون الطرف عن زلات سابقة للفريق كتلك الصورة المهينة التي بدا عليها في لقائه الشهير مع الكاتب علاء الأسواني، وكذلك هروبه زمن الإخوان إلى "عمرة" شهيرة إلى الإمارات كم أطلق عليها الإخوان، لكن وكما يقول البعض سقطة الشاطر بعشر، فقد سقط شفيق في الفخ حين سمع لنفسه أن يكون أداة في الاشتباك الجاري بين قطر والرباعية العربية، قطر وتوابعها التي لم تعول كثيرا على ترشح خالد علي، تلقفت بياني الفريق شفيق ذو المكانة الرفيعة لزحزحة السيسي عن حكم مصر لتتمكن من التسلل عبره مجددا إلى مصر كما فعلت من قبل، ومن ناحية أخرى تنال من الإمارات من خلال استغلال تصريحه الحاد والذي بدا معدا سلفا حتى قبل بيان الترشح، والذي مفاده أن الإمارات تحتجز مرشحا للرئاسة المصرية وتتدخل في الشأن المصري. إنها سقطة كبيرة للفريق شفيق ما كان ليقع فيها لا سيما حين يستحضر المصريون إعلان حازم عبد العظيم عبر حسابه على تويتر منذ فترة بأن الفريق اخبره بنيته الترشح للرئاسة، وأنه سوف يعلن هذا بنفسه لاحقا، يومها استخف المصريون بهذا التصريح، فكيف لحازم عبد العظيم الذي ما فتئ يتهم الجيش بأبشع الاتهامات ويسخر من مصر مرارا بكتابتها " ماسر" والضيف الدائم لشاشة الجزيرة، وصاحب الإعجاب على كل التغريدات المناهضة لمصر وجيشها أن يكون وسيلة الفريق للإعلان عن ترشحه؟!
ترشح الفريق في حد ذاته للرئاسة مكسبا وإثراءً للحياة السياسية المصرية وتعزيزا للديمقراطية، وهو حق دستوري للفريق كما لغيره من المصريين طالما توافرت فيهم شروط الترشح، لكن طريقة الإعلان ومكانه وربطه بتصريحات سابقة لحازم عبد العظيم واحتفاء قطر وتوابعها بالفريق وبياناته التي بدت وكأنها أوراق اعتماد للفريق في معسكر قطر المناوئ لمصر والإمارات الداعمة بقوة لمصر، أظهر حجم السقطة كبيرا
للفريق شفيق. 




https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/12/05/451227.htmlhttps://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/12/05/451227.htmlhttps://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/12/05/451227.html

الأحد، 3 ديسمبر 2017

صفقة مع التطرف " بقلم : محمد صالح رجب "

صفقة مع التطرف  " بقلم : محمد صالح رجب "
تأخرنا كثيرا في مواجهة التطرف، انتظرنا حتى اقتحم علينا الإرهاب بيوتنا، رأينا التطرف ينمو ويترعرع أمام أعيننا ولم نحرك ساكنا، إنها المصالح التي جعلتنا نغض الطرف عنه حتى استوحش وصار ذئبا ينهش الجميع حتى أولئك الذين غضوا الطرف عنه..
تحدث كثيرون عن فساد الأنظمة السابقة وعددوا مآخذهم عليها، لكن ظني أن المأخذ بل الجريمة الأعظم هي تماهي السلطات مع الخطاب المتطرف طيلة السنوات الماضية، الأمر الذي جعل له قاعدة كبيرة بعد أن تُركت له الساحة يرتع وحيدا، فاستقطب الآف الشباب بحماسهم وغيرتهم على الدين والأوطان.
الدولة لاسيما في ظل الحقبة المباركية لم تكن تواجه خطاب التطرف لأنه لم يكن يقترب من سوءاتها، لم يكن يقترب من الفقر والمرض والجهل، لم يكن يقترب من ملف حقوق الإنسان والحريات، بل أنه كان يدعو علنا في كثير من الأحيان إلى ولي الأمر، ولا مانع من انتقاد بعض الأمور هنا أو هناك لذر الرماد في العيون، إنها صفقة غير مكتوبة، سنترككم مقابل عدم التحريض علينا وكشف عوراتنا، يا لها من صفقة رابحة لهم!! اسعدوا، امرحوا يا أهل السلطة، لن يزعجكم أحد، لن نكشف عوراتكم، بل سنواريها نيابة عنكم، سنساعد المحتاجين ونداوي المرضى ونفتح مدارسنا، وعلى الفقراء سنوزع الصدقات والزكاة التي سمحتم لنا بجبايتها، سنطبطب على الغلابة، سنستقطب المهمشين، سنستوعب الناقمين، كوارثكم سنقول أنها ابتلاءات من الله للتمحيص، أنصبر أم نجزع؟ سنربط على قلوبهم بالآيات والأحاديث، فالآخرة خير وأبقى، والدنيا دار ابتلاء، سنجهزهم لما عند الله في الآخرة، الدنيا هي محطة للآخرة، وآجالها وإن طالت قصيرة، ونعيمها وإن عظم قليل، ونحن فيها عابري سبيل، سنجعلهم عجينة في أيادينا لنبعدهم عن التفكير في عوراتكم، تعروا يا أهل السلطة كيفما شئتم، فمهما كانت عوراتكم نحن لها. فتزداد العورات في ظل خفوت صوت من يفضحها، ويفر الناس إلى هؤلاء ظنا أنهم يحتمون بالدين ويفرون إلى الله.. لتتسع الرقعة، ويزداد المرتبطون بهؤلاء، فيبتزون بهم الدولة بمزيد من غض الطرف لتتسع الدائرة اكبر واكبر.
 لم تفكر الدولة وسلطاتها وقتها أن هؤلاء قنابل موقوتة، لأنهم باتوا مؤمنين بهؤلاء، أياديهم كانت أكثر حنوا عليهم من يد الدولة الباطشة.
يحسب للقيادة الحالية أنها وضعت حدا لتلك الصفقة بناء على رغبة المصريين في 30 يونيو، غير أن تطهير الجرح بعد تلك العملية الصعبة يتطلب يدا حانية من الدولة وسد الذرائع وملء الفراغ حتى لا يتسلل فلول التطرف إلينا، ونعيد الكرة من جديد.



الجمعة، 1 ديسمبر 2017

قراءة في قصة ” ورقة أسئلة ” للكاتب سمير الفيل بقلم: محمد صالح رجب


http://www.mobd3o.com/2017/12/02/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84/

مباشرة ومنذ الوهلة الأولي، من عتبة النص، من العنوان ” ورقة أسئلة ” باتجاه الهدف مباشرة، إنه ” اختبار” ، لكن من الممتحن؟ وفي أي مادة؟ وهل استعد الممتحن جيدا لهذا الامتحان؟ هل أجاب جيدا؟ ماذا حدث لورقة الأسئلة؟ أسئلة عديدة يطرحها العنوان ويحاول كاتبنا سمير الفيل الإجابة عليها من خلال نصه الذي بين أيدينا و المعنون بـ ” ورقة أسئلة”.
بدأ النص بمقدمة في لجنة امتحان والأمور الروتينية المعتادة ككل امتحان من تسلم ورقة الإجابة، ثم الأسئلة، والى الآن لم يذكر لنا الكاتب اسم المادة إلا بعد كتابة الاسم بشكل منمق، خشية “النسيان” كان المشرفون يذكروننا دائما بضرورة كتابة الاسم أولا وبشكل واضح.. ثم ينتقل الكاتب إلى اسم المادة وهي مادة التاريخ وذيل اسم المادة بالتي يحبها..
لكن الأسئلة وعلى غير المتوقع كانت مفاجئة، صادمة، إنها تختبر الذاكرة، تختبر الحفظ لا الفهم، حين قال الكاتب ” فوجئت بالأسئلة تختبر ذاكرتي ” كأني به يريد أن يقول أن المتوقع والطبيعي أن تختبر الأسئلة الفهم لا الحفظ وهو ما لم يحدث الأمر الذي تسبب في تلك المفاجأة، ومع ذلك حاول جاهدا، استحضر الأقرب إلى الذاكرة عله يتذكر الإجابات، استحضر الليلة الماضية، ليلة الامتحان، وما أدراك ما ليلة الامتحان، تلك الليلة التي قاوم فيها ” غواية ” النعاس ولم ينم إلا قليلا، حاول أن يجبر نفسه لتنصاع إلى تلك الطريقة، اشغل نفسه ليتذكر، لكن عبثا حاول، تنتصر نفسه للصواب، للفطرة، ولما لا وإجاباته نموذجية مدعومة بالأدلة!، تتقافز شخصيات وطنية بعينها أثرت في التاريخ المصري مصحوبة بعبارات مقتضبة تشي بفهم عميق لتلك المادة التي يحبها، بدأ بالزعيم احمد عرابي الممتطي جواده ملوحا بسيفه، ثم ثناها بالخديوي توفيق المحاط بقناصل الدول الأوربية مربد الوجه، وجاء الدور على سعد زغلول شاجبا الأقوال المرسلة التي زعمت أنه قال” مفيش فايده”،  ليختتم بجمال عبد الناصر وخطة طرد اليهود من سيناء.. هنا لم يذكر الكاتب أي شيء يفيد ” التذكر ” ولكنه استخدم لفظ ” قفز ” دون أن  يقرنه بالذهن، فلم يقفز إلى ذهنه، إمعانا في رفضه لتلك الطريقة، حتى عندما اندفع الملاحظ من مكانه ليحذره من الضجة التي يصنعها، أخبره أن الزعماء “يتسللون”من ورقة الأسئلة إلي حرم اللجنة، وكأن القفز كان إلى ورقة الأسئلة. وكأنهم لم يطيقوا المكوث فيها، فراحوا يتسللون منها رفضا للأسئلة ولتلك الطريقة. لكن ردا كهذا قوبل بالريبة في قواه العقلية، الأمر الذي استدعى شفقة الملاحظ فراح يربت على كتف بأبوة، ويدعو لنفسه وله بحفظ الله، إنها تهمة “الجنون” المعلبة التي تواجه كثيرا ممن يحاول الفهم!.
ثمة ربط بين أولى عبارات النص وهي” جلستُ في آخر الصف بلجنة الامتحان” وبين آخر عبارة فيه ” ستضيع مستقبلك”، وكأن الكاتب يريد أن يقول أن هؤلاء الذين يفهمون مكانهم دائما في الصفوف الخلفية، وأن الآخرين يرونهم فشلة لا مستقبل لهم، إنها النظرة السائدة، “الحفظ” وحده يصنع ويحفظ مستقبلا..ترى كم من هؤلاء ضاع مستقبلهم؟ إنه بالفعل اختبار، ولكن ليس لبطل قصتنا، وإنما للمسئولين عن التعليم، والنتيجة حتما الرسوب، فقد سلم الممتحن ورقة الإجابة خالية..

السبت، 25 نوفمبر 2017

قطر.. البكاء على قدر الألم - محمد صالح رجب

قطر.. البكاء على قدر الألم

نشر في الأسبوع أونلاين يوم 23 - 11 - 2017

المتابع لأزمة قطر، يجد خطابين متناقضين للدولة القطرية، أحدهما موجه للداخل القطري، تعدد فيهقطر وأذرعها الإعلامية فوائد ما أسموه حصارا، فقطر وفقا لهذا الخطاب باتت قاب قوسين أو أدنى من الاكتفاء الذاتي غذائيا، وفي تلك الشهور القليلة ضاعفت قطر على حد قولها من معدلات البنية التحتية لاستضافة كأس العالم، كما تضاعف عدد مستخدمي الخطوط القطرية، وغيرها من الفوائد الجمة التي جنتها قطر في الوقت الذي تتكبد فيه دول ما أسموه الحصار خسائر جسيمة. 
ثمة خطاب آخر موجه إلى العالم هذه المرة، لكنه خطاب مختلف عن سابقه، خطاب يمكن أن نضعه تحت عنوان " بكائية قطر"، هذا الخطاب الذي يروج له في أنحاء العالم عبر أذرع قطر الإعلامية وما تستأجره من مساحات إعلامية وندوات مسبقة الدفع، وما يقوم به وزير خارجية قطر ومسئوليها من زيارات لدول العالم لم نعد نحصي عددها، ضجيج وخطاب بكائي تستعطف فيه قطر العالم مما أسمته حصارا غير إنساني، طالت آثاره السلبية كل شئ، و يتنافى مع المواثيق الدولية .هذا الضجيج الهائل الذي تحدثه قطر من جراء تلك المقاطعة يقابله هدوء وعدم اكتراث من طرف الأزمة الآخر ووسائل إعلامه، حتى أن الأمير محمد بن سلمان حين سُئل مؤخرا عن أزمة قطر قال، قضية قطر صغير جدا جدا جدا، وهو ذات الكلام الذي أعلنه أيضا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حين أعلن أن قضية قطرصغيرة، ولدى المملكة شؤون أخرى تهتم بها وتركز عليها، هذا التجاهل ليس موقفا سعوديا فقط وإنما هو موقف عام للرباعية العربية. كل هذا التجاهل يزيد قطر ألما و صراخا، وكلما علا صوت الصراخ كالذي نراه الآن كلما زدنا يقينا أن الألم وعلى عكس ما تبديه قطر لشعبها كان هائلا.. 

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.

الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

أهلا بكم في مصر .. - محمد صالح رجب


                  أهلا بكم في مصر.. - محمد صالح رجب


مصر، ملتقى الحضارات وسحر الطبيعة، اسم يطاول التاريخ، يضرب بجذوره في أعماقه إلى الآف السنين، اسم يرادف الخيال، ويعانق الجمال، ويدغدغ مشاعر الحالمين برؤية التاريخ رأي العين، ومشاهدة آثار شامخة ظلت صامدة تتحدى أن يجود الزمان بمثلها، من منا لم يحلم بزيارة مصر والوقوف أمام تمثال أبو الهول العريق، أقدم المنحوتات، ذلك الحارس الأمين لأهرامات الجيزة الثلاث،وقد وقف شامخا برأس إنسان وجسد أسد ليجمع بين الحكمة والقوة، من منا لم يحلم أن تطأ قدماه أرض الفيروز سيناء الخالدة ليرى عظمة الخالق في جو من الخيال، منظر خلاب ومياه زرقاء وشعب مرجانية وقمر يضئ، يشع خيالا و يستكمل لوحة الإبداع،من منا لم يحلم بزيارة خان الخليلي ويوثق زيارته ببعض مقتنيات تشهد على براعة المصريين؟
حين تذكر مصر، تذكر الفن والأدب وهو يعانق سحر الطبيعة معبق برائحة التاريخ، تلكم باختصار هي كنوز مصر السياحية، موقع مميز وأثار تاريخية لحضارات وثقافات متعددة، وإنسان مبدع مهد لسياحة الترفيه والمهرجانات.


حين يفكر المصري البسيط في بناء منزله وهو يحفر الأرض ليضع أساس منزله ينتظر أن يجد أثرا تاريخيا، فمصر كما يقال تعوم على بحر من الآثار، الأمر الذي جعل الحكومة المصرية تعتمد في البدايات على ذلك الإرث  التاريخي الكبير من الآثار الفرعونية والقبطية والرومانية والإسلامية في خططها السياحية، إلا أن تطور صناعة السياحة واشتداد المنافسة على السائح،وشح الموارد الذي جعل من السياحة أحد أهم مصادر العملة الصعبة لمصر، دفع الدولة المصرية لاستغلال كامل إمكاناتها السياحية التي قد لا تتوافر في دول أخرى، وظهرت على الخريطة السياحية مدن جديدة مثل شرم الشيخ والتي باتت مقصدا سياحيا هاما لسياحة المؤتمرات وكذا مقصدا لهواة الغطس والرياضات المائية، والترفيه بشكل عام. استثمارات هائلة في قطاع السياحة المصرية وتوفير بدائل متعددة أمام السائح قفز بأعداد السائحين في مصر من 5 مليون سائح في عام 1999م إلى  ما يقرب من 15 مليون سائح عام 2015 م وبحصيلة قدرها 12.5 مليار أي بنسبة تفوق 5.3% من الناتج المحلي، قبل أن يتراجع  خلال السنوات التي تلتها بسبب الأحداث التي شهدتها مصر والمنطقة، وقد تلقت السياحة المصرية ضربات عدة بسبب عنف الجماعات المتشددة كما حدث في مذبحة الأقصر عام 1977 م والتي راح ضحيتها 58 سائحا أجنبيا إلا أن مصر تعافت منها سريعا غير أنها لم تتعاف بعد من تبعات الأحداث الأخيرة لاسيما بعد سقوط الطائرة الروسية وما تبعها من إيقاف السياح الروس الذين يشكلون نسبة كبيرة من السياح الوافدين إلى مصر رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة في هذا المجال.
كانت القاهرة ومدن الصعيد وعلى رأسها الأقصر وأسوان مقصدا للسياح لزيارة الآثار التاريخية ، ففي القاهرة تعد الأهرامات الثلاثة أحد عجائب الدنيا السبع على رأس اهتمامات الزائر وكذلك المتحف المصري والقرية الفرعونية  وقلعة صلاح الدين و مسجد "ابن طولون" الذي يعود بناؤه إلى القرن التاسع، و الكنيسة المعلقة" القريبة من "مار جرجس"، و دير القديس سمعان أو ما تُعرف بـ "كنيسة الكهف" وغيرها، وفي صعيد مصر وتحديدا في مدينة الشمس التي لا تغيب والمسماة بـ "الأقصر" يحرص السائح على زيارة معبد الكرنك" و"معبد الأقصر" اللذان يرويان تاريخ مصر على مر العصور، وكذلك منطقة "وادي الملوك " التي تضم الكثير من المقابر الفرعونية للسلالات التي حكمت مصر.

وفي خطوة كبيرة وتيسيرا على السائح تشيد مصر على مقربة من أهرامات الجيزة المتحف المصري الكبير والذي تخطط له أن يكون أكبر متحف أثار في العالم، ومن المتوقع أن يستقطب 5 ملايين زائر سنويا ويحتوي على 100000 قطعة أثرية من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية ومن المتوقع أن يفتتح جزئيا في منتصف عام 2018 م .
وإذا كانت المتاحف والمعابد والآثار  والمعالم التاريخية شكلت العنصر الأهم في عناصر الجذب السياحي لمصر فإن جو مصر المعتدل على مدار العام وشواطئها الممتدة على البحرين الأحمر والمتوسط كانت عوامل جذب أيضا لقطاع واسع من السياح،  ذيع صيت مدن مثل شرم الشيخ والتي بات زيارتها حلما للسائح للاستمتاع بجمال الطبيعة وممارسة رياضة الغوص ومشاهدة كنوزها من الشعب المرجانية والأسماك الملونة، كما ظهرت كأحد أهم مستضيفي المؤتمرات في العالم، وإلى جانبها ظهرت على الخريطة السياحية مدنا أخرى مثل دهب، الغردقة، الجونة، ومرسى علم، وغيرها. كما ظهرت السياحة الدينية والترفيهية وغيرها.
وتعد مصر الوجهة المفضلة للسائح الأوربي مقارنة بدول الشرق الأوسط التي تأتي في المركز الثاني من حيث أعداد السائحين الوافدين لمصر ثم تأتي أسيا وأفريقيا وغيرها.

إن أهم ما يميز مصر سياحيا  ويجعلها إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم،
هو تنوع المعالم السياحية والمناظر الطبيعية وجوه المعتدل معظم فترات السنة ووسائل لترفيه الحديثة إلى جانب بنية تحتية مميزة ووحدات فندقية تناسب جميع المستويات..
أهلا بكم أم الدنيا..في مصر..
*****************************
محمد صالح رجب

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

ليتوقف هؤلاء احتراما لدماء الشهداء " بقلم : محمد صالح رجب "

ليتوقف هؤلاء احتراما لدماء الشهداء   " بقلم : محمد صالح رجب "



عملية الواحات الأخيرة والتي راح ضحيتها حوالي 16 من خيرة أبناء مصر، أظهرت عوراتنا وما أكثرها هذه الأيام، الحروب هي فترات استثنائية في تاريخ الشعوب، وفي تلك الفترات تُسخر كل الإمكانات لخدمة المجهود الحربي، ويتنازل الناس مؤقتا عن بعض من حقوقهم، وتنحى الخلافات جانبا، وتؤجل المطالبات الفئوية، وتغلب المصلحة العامة، ويتبارى الناس في تقديم العون لصالح المجهود الحربي، هي ـ إذن ـ فترة استثنائية لها قوانينها وأعرافها الاستثنائية، لكن في مصر ورغم أن الجميع يعلم أننا في حالة حرب حقيقية، بل ومفصلية، إلا أن حالة من اللاوعي تضرب بكثير من الناس ومن بينهم وللأسف الشديد إعلاميين ومثقفين، ظننا خطأ أنهم سيقودون الناس في رحلة توعية وتهيئة لمعركة كهذه، فإذا بهم نقطة ضعفنا، إن أحد أهم أزمات مصر في سنواتها الأخيرة هي تلك النخبة وأقصد بها من يتصدرون المشهد، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية كانت "نكبتنا في نخبتنا"، بعد أن علا صوت الأنا واقتتل أفرادها على المناصب وحب الظهور والمصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة، وفي حادثة الواحات الأخيرة لم يردعهم هذا الجرح النازف ولا تلك الدماء الطاهرة، بل كعادتهم انتصروا لذواتهم ولمصالحهم الضيقة ودخل بعضهم في تصفية حسابات مع النظام على حساب وطن ، رأينا الشماتة في كلمات البعض، رأينا متنطعين، وآكلين على جثث الوطن، رأينا منافقين وأفاقين، رأينا انهيارا أخلاقيا ومهنيا لدى البعض.. إلى متى هذا السقوط؟ إلى متى الاستهانة بتلك الدماء الطاهرة التي ما خرجت إلا من أجل هذا البلد، حادث الواحات لن يكون الأخير وستسقط دماء طاهرة أخرى تروي ظمأ هذا البلد العظيم للأمن والحرية والتقدم، غض الطرف عن سلوك هؤلاء وعدم ردعهم سيزيد من تكلفة تلك الحرب وفاتورة الدماء المدفوعة، آن الأوان أن نضع النقاط فوق الحروف، ونطالب هؤلاء بالتوقف، بالصمت، بالتنحي جانبا احتراما لتلك الدماء الزكية. 









الاثنين، 9 أكتوبر 2017

هنية والدرس القطري - محمد صالح رجب

هنية والدرس القطري - محمد صالح رجب 

منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك لم تتعامل مصر مع قطاع غزة بمعزل عن الضفة الغربية خشية على القضية الفلسطينية، ورغم الضغوط والتشويه المتعمد، كانت مصر تصر دائما على التعامل مع كل الفصائل تحت غطاء الشرعية الفلسطينية المتمثلة في الرئيس عباس، وكان هذا الموقف يجد تشويها متعمدا وتحديدا من قطر التي كانت تغزي الانقسام الفلسطيني بدعمها حماس وتعاملها معها كما لو كانت دولة، مما أطال زمن الانقسام الفلسطيني، وشتت الجهود بعيدا عن الهدف الأساسي وهو إقامة الدولة الفلسطينية، فتخلت القضية الفلسطينية عن موقعها في قمة أولويات الدول الإسلامية بعد أن ظلت قضيتهم الأولى منذ نشأتها، لكن حين انشغلت قطر بنفسها وأضحت في موقف دفاعي إثر المقاطعة العربية، لم يعد لها تأثير في غزة وتوقف الدعم القطري المالي والمعنوي مما سهل عملية المصالحة هذه التي ما كانت لتتم لولا تحجيم قطر، الأمر الذي مهد الأرض ودفع بحماس نحو هذه المصالحة.
وكما أن المصالحة الفلسطينية أمر جيد لفلسطين فهي أيضا أمر جيد لمصر رغم حذر البعض واعتراض آخرين لتعامل مصر مع حماس التي صنفت كإرهابية في لحظة ما والتي لا زال اسمها يتردد في ساحات المحاكم المصرية كمتهم في قضايا عدة تمس الأمن القومي المصري وعلى رأسها قضية اقتحام السجون، وكعادتها تقدم مصر المصالح العليا وتترفع عن أفعال الصغار، القضية الفلسطينية التي هي قضية مصر الأولي هي أمن قومي مصري أيضا، وتعامل مصر مع الفصائل يهدف لتوحيدها تحت راية الشرعية الفلسطينية، توحيد الفلسطينيين يعني توحيد الجهود صوب هدف واحد وهو إقامة الدولة الفلسطينية، الأمر الذي سيقتطع الطريق على المزايدين والمتاجرين بتلك القضية ويوجه لطمة قاتلة للإرهاب الذي يعانى منه العالم وفي مقدمته مصر.
من قبل لم يغتم الأمير " تميم " الفرصة الذهبية التي لاحت له حين تولى مقاليد الحكم في قطر وبدلا من تغير سياسة قطر و التطهر من أفعال أبيه التي أضرت بقطر والمنطقة،استمر على ذات النهج إلى أن وصل إلى ما وصل إليه الآن، نأمل أن يستوعب" هنية " الدرس القطري وأن يستفيد من توليه قيادة حماس وينتهج نهجا مغايرا لذلك النهج الذي سار عليه خالد مشعل والذي كرس الانقسام الفلسطيني وأضر كثيرا بالقضية الفلسطينية.



الأربعاء، 23 أغسطس 2017

حدث في بنك مصر - محمد صالح رجب - الأسبوع

http://www.xn--igbhe7b5a3d5a.com/Article/325063/%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%86%D9%83-%D9%85%D8%B5%D8%B1

محمد صالح رجب
المكان بنك مصر- شارع المديرية بالمنصورة
الزمان : الحادية عشر صباحا
على الشباك يقف رجل أربعيني أمام موظفة البنك وقد ساءه أن تطلب منه رقما آخر، عندها تساءل الرجل الذي قد انتهى لتوه من معاملة بنكية:
- وهل تتطلب كل عملية رقما، ألا يكفى رقما واحدا لإنهاء عمليتين مصرفيتين على ذات الشباك لذات الشخص؟
رمقته الموظفة بنظرة شعر فيها بالإهانة، ونشب جدل استدعى تدخل مسئولها المباشر الذي كان يجلس خلف الصرافين..
أراد السيد المسئول نصرة موظفته ولأنه لم يقتنع بمبررها على ما بدا فقد ساق مبررا آخر ظن انه سينهي الجدل وسيتراجع الرجل إما عن قناعة أو حتى عن غير قناعة، كثيرا من المراجعين يفعلون ذلك هكذا حدثته نفسه قبل أن يقول:
- حسابك من الرئيسي وليس من هذا الفرع ودفتر توفيرك يتطلب ختما من المركز الرئيسي..
حينها ثار الرجل الأربعيني وتخلى عن هدوئه:
- بإمكانك يا فندم أن تسوق مبررا آخر، من دقيقة واحدة أنهيت معاملة ولم يطالبني احد بذلك..
رد المسئول:
- أخطأت الموظفة وستعاقب.
- قبل يومين ثمة معاملة أخرى تمت بواسطة موظفة أخرى وأيضا لم يتطلب الأمر ختما..
- أخطأت هي الأخرى وستحاسب..
عندها ضحك الرجل الأربعيني وقال مازحا:
- تتحدث عن موظفاتك وكأنهن غير مؤهلات، عشرات المعاملات تمت على هذا الحساب ليس هذا العام وإنما عبر أعوام مضت ولم يقل احدهم أن الأمر يتطلب ختما من المركز الرئيس فقط عندما أردت أن تنتصر لموظفتك حدث ذلك.
احتد الرجل الأربعيني موجها خطابه للمسئول:
- دائما أجد صعوبة في التعامل معكم فيما يخص حسابي الدولاري وتحديدا منك شخصيا، فلماذا تفعل هذا؟ لماذا تجبروننا على التعامل خارج القنوات الشرعية؟ لماذا تصرون على أن نفقد الثقة في النظام المصرفي، طب اختلق مبررات معقولة ، إبدع حتى يساورنا الشك فنبتلع تلك المبررات وان لم تقنعنا،أنت تدفعني لإغلاق حسابي والتعامل خارج النظام المصرفي..
- عندها رد الموظف بعنجهية:
- أنت حر.. افعل ما تشاء..
ثار الرجل وارتفع صوته واشرأبت عيون الحاضرين تتابع المشهد الملتهب والى الرجل الأربعيني وهو يقول بحدة:
انت مش همك حاجة تتحرق البلد، تروح في داهية، هيهمك ايه؟ انت جالس في مكيف تتقاضى راتبك وبدلاتك نهاية كل شهر، هيهمك أيه؟ الدولة بكل أجهزتها يطلع عينها لبث الثقة في النظام المصرفي وحض المصريين بالخارج على استخدام القنوات المصرفية الشرعية في تحويلاتهم وتعاملاتهم ويجي واحد زي حضرتك يجعل من تلك الجهود هباء منثورا..
ووسط هذا المشهد الذي بدا سينمائيا يتدخل مسئول اكبر وينهي الأمر وتنتهي المعاملة ويحصل الرجل الأربعيني على أكثر مما كان يريد ولم يتطلب الأمر ختما من المركز الرئيس..
قد تبدوا القصة بسيطة في ظاهرها إلا أن الأمر يستدعي تحقيقا عاجلا ممن بهمه الأمر، هل خضع البنك لجرأة الرجل وأعطاه ما لا يستحق أم أن الرجل كان محقا وكشف خللا وعوارا، وفي الحالتين ثمة خطأ يستوجب المساءلة، بنك مصر صرح كبير وله محبة خاصة في قلوب المصريين، ثمة تجهيزات وتطورات طالت كل شئ لم تقتصر على الأصول الثابتة من مبان وأثاث وأجهزة ولكنها أيضا طالت العنصر البشري، غير أن الأمر لا يمنع أن يكون هناك من تسرب عبر الواسطة، على البنك العريق أن يتخلص من هؤلاء لأن مثل هؤلاء يفقدون الثوب الأبيض نصاعته

الاثنين، 19 يونيو 2017

مصر ولعبة المصالح بالمنطقة " بقلم : محمد صالح رجب "


تشهد المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما حركة سياسية نشطة في أعقاب فوز ترامب بمنصب الرئاسة الأمريكية، كل التحركات بما فيها توافد القادة العرب ومعهم تركيا على العاصمة الأمريكية واشنطن للقاء الرئيس ترامب، وكذا اجتماعات الرياض فيما عرف بالقمة العربية الإسلامية الأمريكية، كلها تشي أن المنطقة على شفا ترتيبات جديدة، في تلك الترتيبات ثمة أوزان نسبية لكل دولة بقدر تأثيرها في ملفات المنطقة المشتعلة، ما يُستشف أن لمصر دورا في تلك الترتيبات لا يتناسب وحجمها ومكانتها.  
تراجع الدور المصري كثيرا في أواخر سنوات حكم مبارك وتراجع أكثر عقب ثورة يناير2011 ولم يتعاف بعد، لم يعد للقاهرة دورها المؤثر في القضايا الساخنة بالمنطقة، تراجع الدور المصري سمح لأطراف وقوى أخرى مثل قطر وتركيا بمحاولة شغل الفراغ الذي خلفته القاهرة، كما جرأ دولا أخرى كأثيوبيا والسودان على مصر، محاولة إشغال مصر بنفسها من جانب تلك القوى وعرقلة تعافيها أمر يجب أن تتخطاه القيادة المصرية سريعا، التقوقع والانكفاء على الذات هو مخطط لتقزيم مصر، وإجبارها على التخلي عن دورها القيادي والمحوري لصالح تلك القوى، وما يحدث على الساحة الإقليمية يؤكد أن تلك القوى قد نجحت بشكل أو بآخر في إشغال مصر بنفسها، حيث هُمِّشت القاهرة أو كادت في معظم قضايا المنطقة، حتى القضية الفلسطينية التي ارتبطت دوما بمصر زاحمت قطر وتركيا مصر دورها في هذا الملف.
أمن الدول لم يَعُد بالتمترس خلف الحدود وإنما امتد لحماية مصالحها أينما كانت، أمن الدول بات يبدأ من الخارج، على مصر ألا تأخذ وقتا طويلا في ترتيب البيت الداخلي بل عليها أن تعمل بالتوازي على استعادة دورها المؤثر في ملفات المنطقة الساخنة، والقاهرة تعلم جيدا كيف تسترد هذا الدور إن امتلكت الإرادة والرغبة الحقيقية في استعادته، لدى القاهرة أوراق مهمة وكروت يمكن أن تناور بها، ولعل تعامل القاهرة مع الملف الليبي بداية جيدة لاستعادة هذا الدور، غير أن التقاعس والتردد في باقي ملفات المنطقة لحسابات هنا أو هناك، أو خشية من ردات فعل قد تؤثر على الداخل المصري الذي لم يتعاف بعد، أمر غير مفيد في صراع المصالح الدائر الآن في المنطقة.
التقوقع داخل الحدود لحين ترتيب البيت الداخلي سيكلف مصر غاليا في لعبة المصالح التي يجري تقاسمها الآن بترتيبات جديدة للمنطقة.


الأربعاء، 10 مايو 2017

إنها مصر ـ محمد صالح رجب - المشهد

إنها مصر..  " بقلم : محمد صالح رجب "

نخطئ كثيرا عندما نفقد " الموضوعية " في تناولنا للأمور، نخطئ كثيرا حينما نحتفي أكثر مما ينبغي بزعماء وقادة دول عند زيارتهم لمصر، كما نخطئ أيضا عندما نضخم من زيارة قادتنا لهذه الدولة أو تلك. عقب كل زيارة من تلك، نتحسس كرامتنا، يتسرب إلينا إحساس بغيض وكأنما على رؤوسنا بطحة، يقابله إحساس بالفضل لدى الآخر..
استمعت مؤخرا إلى شهادات استماع للجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي والتي كانت تناقش الدعم الأمريكي المقدم إلى مصر، ورأيت مشهدا يتنافى كليا مع تلك الضجة التي صاحبت زيارة الرئيس السيسي لأمريكا، والتي صُورت على أنها فتح مصري لأمريكا، استمعت إلى كل الشهادات والتي كانت جميعها ضد مصر وقيادتها، ومن هذه الشهادات شهادة الباحثة والدبلوماسية الأمريكية " ميشيل دان " والتي عملت لفترة في السفارة الأمريكية بالقاهرة والتي اعتادت النيل من مصر ولربما لم تنس أن مصر منعت دخولها يوما إلى أراضيها، فراحت تتقيأ حقدا على مصر، لم يقلقني توصيتها بعدم إدراج جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية بحجة أنه سيكون لصالح تنظيم الدولة " داعش "، فهذا الأمر يخصهم وحدهم ، لكن ما أقلقني هو ردها حول سؤال عن رد فعل الحكومة المصرية المتوقع على خفض محتمل للمعونة الأمريكية قد يصل إلى 15% من إجمالي المعونة المقدرة بمليار وثلاثمائة مليون دولار، فقالت " بسخف": أن السيسي" متلهف" لتوطيد العلاقة مع ترامب.. بما يعني أننا " رمين جتتنا عليهم" بما يعني أن مصر لن تغضب ولن تخرج من العباءة الأمريكية كما قال أحدهم في ذات الجلسة، حيث قال " إن العلاقة مع أمريكا دعم مهم لنظام السيسي"..
هذا ينقلنا إلى ما بدأت به، لا ينبغي أبدا أن نهلل كثيرا و نهول لزيارة السيسي لأمريكا، أو أي دولة أخرى، كما لا ينبغي أن نبالغ في حفاوة استقبال كائن من كائن على أراضينا، لا ينبغي أن نخرج عن الموضوعية في تعاملنا مع الآخرين، لسنا في حاجة إلى ذلك التضخيم أو تلك الحفاوة، ليست على رؤوسنا بطحة، شرعية النظام في مصر يمنحها فقط الشعب ونوابه وليست لأحد آخر، لا تقررها استقبالات الرؤساء للسيسي ولا استقبال السيسي لهم.. وعلى الدولة المصرية وممثليها وإعلامها بل وعلى كل مصري، أن يتعامل بما يليق بدولة بحجم مصر، دون إفراط أو تفريط.. إنها مصر، يا سادة، إن كنتم لا تعلمون..




السبت، 1 أبريل 2017

ما لم يقله أمير قطر - محمد صالح رجب - الأسبوع

https://www.masress.com/elaosboa/391848

ما لم يقله أمير قطر

نشر في الأسبوع أونلاين يوم 30 - 03 - 2017

في كلمته أمام القمة العربية الثامنة والعشرين المنعقدة بالأردن تحدث سمو الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر الشقيقة عن الديمقراطية، وقدم نفسه على أنه راع للديمقراطية والحريات، وراح يحاضر وينتقد تلميحا الأنظمة العربية الديكتاتورية. ما لم يقله أمير قطر كيف أصبحت دولة قطر الشقيقة واحة للديمقراطية والحريات، كيف أصحبت قطر ساحة للرأي والرأي الآخر، كيف أصبحت قطر مثلا في التعددية والشفافية. ما لم يقله هي تجربة قطر وتجربته الشخصية في ممارسة الديمقراطية حتى يتثنى للدول العربية الدكتاتورية أن تقتدي به. 
تحدث سموه منتقدا تلك الأنظمة التي تعتبر تيارا أو فصيلا " سياسيا"، فصيلا إرهابيا، و ما لم يقله سموه، من كان يقصد بالتحديد؟ أيقصد دولا عربية بعينها اعتبرت عن حق حزب الله اللبناني المشارك في الحكومة اللبنانية وجماعة الحوثي اليمنية، تنظيمين إرهابيين، أم كان يقصد مصر التي اعتبرت عن حق أيضا تنظيم الإخوان تنظيما إرهابيا؟.
ما لم يقله سمو أمير قطر هو مفهومه للإرهاب، هل يعتقد سموه أن التحريض على العنف إرهابا؟ هل يعتقد أن ضرب أعمدة ومحولات الكهرباء ومحاربة الناس في أرزاقها إرهابا؟ هل يعتبر حرق الكنائس وترويع الآمنين إرهابا؟ هل يعتقد أن التآمر على الأوطان واستهداف القوى الأمنية والتحريض عليها، وضرب الاقتصاد، ونشر الأكاذيب بهدف الإضرار بالوطن، إرهابا؟
إن لم يكن كل هذا إرهابا، فلم لم يقل لنا سموه ما هو الإرهاب من وجهة نظره؟
مثل هذا الخطاب الذي قدمه سمو أمير قطر لخير دليل على انه لا فائدة من مثل هذه المؤتمرات، التي يضرب بقراراتها عرض الحائط، ولا أدل على ذلك من القرارات المتعلقة بالإرهاب التي تضمنتها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتي ضربت بها قطر عرض الحائط.
كلمة أخيرة إلى سمو أمير قطر، يكفي مزايدة، فلا قطر أفضل حالا من غيرها في الديمقراطية والحريات، ولا هي أحن على الشعوب العربية من قادتها.
 

الخميس، 16 مارس 2017

مجلة الكلمة - محمد صالح رجب وكتابة المسكوت عنه

http://www.alkalimah.net/Articles/Read/8855
يقدم الكاتب المصري في نصه مفهومه للقصة القصيرة، ويتناول عناصرها الفنية بالتوضيح، كما يؤكد على أهمية صيرورة التجربة في كل قصة. ثم يقارب تجربة محمد صالح رجب، في مجموعته "ضد الكسر" على ضوء رؤيته التنظيرية النقدية لتحديد كيفية تبدي مفهوم القصة القصيرة فيها.
محمد صالح رجب وكتابة المسكوت عنه
في مجموعته القصصية «ضد الكسر»

سمير الفيل

مدخل: مفهومي للقصة القصيرة
أريد في هذه المقدمة أن أقدم للقارئ مفهومي للقصة القصيرة. حسب اجتهادي أرى أن القصة القصيرة تلتقط واقعة أو حادثة أو موقفاً محدداً، فتبني حوله صراعاً ما. تبسطه عبر لغة متماسكة، بحيث تتمكن الشخصيات من التحرك بقوة وإيجابية لتطرح خطاباً ناصعاً يحمل وجهة نظر محددة، لا مراوغة فيها. كل قصة قصيرة ناجحة تتضمن تبني موقف محدد من الحياة عبر حدوتة أو حكاية أو مشهد أو واقعة باستخدام لغة معبرة، مع فهم الشخصيات التي تنهض لحفر الصراع المحتدم وصولاً إلى نهاية محددة أو مفتوحة حسب اجتهاد الكاتب المشغول دائماً بتتبع مصائر الشخصيات التي يستحضرها على رقعة الورق.
يشترط أن تكون القصة القصيرة، ذات إيقاع متناغم، ورؤية محددة، وخطاب سردي واضح. قد نميل إلى أن يصنع النص القصصي دائرة تتسع رويداً رويداً لرصد حركة الشخصيات مع وجود حبكة، ولحظة تنوير، وخاتمة. ربما أمكن الاستغناء عن بعض العناصر دون الأخرى فالحدث أمر أساسي، والمكان يسهم في أن يكون النص واضحاً ثم أن الزمن يحضر ليمكن ترتيب الأحداث بشكل طيع وفعال. ولكل كاتب طريقته في تنضيد عناصره ووضع أولويته شريطة أن يشتغل على عناصره بعقل يقظ، وقلب متلهف على تبيان الحقيقة.
هناك قصة الحدث وقصة الشخصية وقصة البورتريه وهكذا دواليك. بدون وضع حدود نهائية للأفكار أو الأشكال التي تتسع لها القصة القصيرة. هناك مثال مهم كنا نردده في بداياتنا، وهو: "أن أشكال القصة القصيرة تتعدد بإسهامات الكتاب العظام فيها". وهذا صحيح إلى حد كبير لكنني أشدد على وحدة الموضوع، وقوة الأثر، وبأهمية تلك الموسيقى التي تسري في النص فتشعر معها أنك في مواجهة عمل أدبي يقص عليك أكثر القصص بهجة أو حزنا. قيل في مكان آخر: "إن القصة القصيرة تتعامل مع المهمشين في الأرض"، وهو ما نجده عند تشيخوف، على سبيل المثال، ولكنه ليس شرطاً بل هو مجرد توجه محدد، ومعيار للإجادة، لا أكثر.
فالكاتب الذي يمتلك حيوية القص وجدته يمكنه أن يعالج كل الأفكار، وأن يخضع الشخصيات لمفاهيمه العميقة، ككاتب متمكن من أدواته. بالطبع هناك فكرة محورية للنص الطازج، وهو أنك تكتب عما تعرفه، وأن تحكي حكاية ما، عشتها أو رأيتها أو سمعتها؛ فتورطت في حكايتها تورطاً جميلاً. فالحدث عنصر محوري ووحدة الحدث ذاته معيار للإجادة؛ لكنني أتصور أن الكاتب الماكر مكراً فنياً أخاذاً، يمكنه أن ينفلت من كل القواعد المقررة، ليشكل لنا بذرة قصة شيقة، مستفيداً من الحركة الزمنية، والترابط المنطقي بين الوقائع مع لغة مقطرة تسقط بعض التفاصيل التي ربما لا تكون ضرورية.
في أحيان أخرى تنهض القصة القصيرة على تعانق تلك التفاصيل فتصنع مروحة من مرايا متجاورة ينشأ عنها جدل فني خلاق. مع حساسية فنية تجعل النص القصصي حاملا عطاءات فنية باذخة، ليطرح خطابه في خفاء دون أن يصك السمع بجملة نهائية، لها طابع الاكتمال، تهز معها الرأس لأنك فهمت ووعيت وأدركت الحكمة.
أقول لنفسي عند الإمساك بالقلم كي أكتب قصة جديدة: "سوف أجعل قصتي ناقصة لأنه باكتمالها تفقد الكثير من رونقها، وهي حيلة وضعت نصوصي دائماً تحت مختبر سردي لاقتناص الدلالات بعيداً عن القراءة الأولى. هو نقص تعرفه الحياة ولعل انطلاق الخيال هو محاولة لتعويض هذا النقص، وقد يصدمك أن الخيال ذاته لا يعرف الاكتمال النهائي أو إغلاق الدائرة.
أريد أن أقول أن حكمة النص ليست عملاً مستقلاً بذاته؛ فكل قصة قصيرة حقيقية لها حكمتها المنبعثة من مجموعة الدلالات والخطابات السرية والوعود والبروق والانحيازات التي تجعل كاتباً ما متورطاً في الفعل الإنساني للنص ناهيك عن التحولات المرتبكة لقوانين الحياة.
في جملة واحدة: القصة القصيرة من الجمال والنبل بحيث أنها تتجدد فعلياً في كل محاولة لكتابة نص جديد؛ فالكثافة، والتركيز، والصدق الفني، والوعي، وقوة الأثر، كلها عناصر أساسية يمكن دمجها معا في صرة سردية كي يكون نصك صادقاً وأصيلاً.
سأتوقف هنا أيضاً لأعترف لكل من يقرأ هذه المقدمة، أن حديثي هنا قد تصيبه قلاقل معرفية، وانكسارات وجدانية، وإزاحات جمالية، وانحرافات معيارية، فأنا ككاتب قصة قصيرة محترف، أعيش دائما مرحلة التجريب، وأجد متعة لا تدانيها متعة كلما شرعت في كتابة نص جديد، في نفس الوقت الذي أرتعد فيه رعبا مخافة التكرار والنسج على منوال سابق أو خفوت الدلالة أو شحوب الخطاب، ذلك أن المغامرة واقتران الدهشة بالمتعة، يحققها كل نص سردي أصيل حتى لو لم يمتلك الكاتب المؤرق بمصير نصوصه، خلفية تنظيرية متماسكة وقوية.
* صورة غير نمطية للزاهد:
تعالوا بنا نستعرض بعض نصوص مجموعة محمد صالح رجب، المعنونة بـ"ضد الكسر" لنطبق، ولو جزئياً بعض ما جاء في مقدمتنا التنظيرية التي لا تدعي الكمال، ولا تقطع الطريق أمام كل محاولة مختلفة لتحديد مفهوم القصة القصيرة. تبدو شخصية الشيخ العارف بالله من الشخصيات الإشكالية في ديوان السرد المصري، فهو يمثل ذلك الطيف الإنساني المراوغ، الذي يمثل حضوره حفظا للمكان، وتبريكا لسكان البيوت المطلة على حانوته. أما هو فأفعاله غامضة، وسلوكه يقع في المنطقة المشتركة بين الزهد والبركة.
في كل حارة مصرية يوجد "الشيخ مجدي" بأسماء أخرى، وبتفصيلات متنوعة لكنها على الدوام تقترب من دائرة الاستغناء، وتكون قليلة الكلام، وأفعالها انعكاسا لقوة ما غير معلومة، ربما صارت تلك الأفعال هي التي تعرف الناس بها، فيكتشفون حقيقة أنفسهم من خلال رصد أساليب التعامل معه.
في هذا النص نحن أمام مشاهد متقاطعة لرجل بسيط يأتي من عمق الصعيد، ويطلب من أهل البيت القديم الرطب أن يجلس ببضاعته أمام المسجد ليتكسب رزقاً حلالاً، وما تلبث البركة أن تعم المكان، لكن ابن الرجل الطيب يموت وكذلك زوجته فيظل في حاله البائس متنقلاً بين البيت والمسجد. أما الراوي فيحصل على عقد عمل في الخارج، وبعد سنوات، ينصلح حاله، فيما يثري شقيقه فيبتني عمارة شاهقة، ويشتري سيارة فارهة.
يعود الراوي فيكتشف غياب الشيخ ويجد شقيقه طريح الفراش، فينتابه إحساس قوي أن ما حدث من نقص وعلل نتيجة التخلي عن الرجل الصالح، يظل يبحث عنه في الشوارع والأسواق دون جدوى، ويسكن القلق صدر الراوي لذلك الغياب الفادح. ينتهي النص بشخص يأتي للحارة ليسأل عن الشيخ مجدي فيعترف له الشقيق أنه من طرده ويعرف الأخ الطيب أن نفس الشخص جاء يسأل عن الشيخ مجدي، لكأنه "المهدي المنتظر"؛ فالكاتب هنا يعمل على أسطرة الواقع، ولا يكف عن تأمل مفارقات الحياة مستندا على مادة شعبية تخص الأولياء والصالحين والمكشوف عنهم الحجب، والمنكسرين في الأرض.
تلك الثلاثية بين الشيخ محسن والراوي والشقيق قاسي القلب ليس في النص ما يصرح بتلك الأخوة لكنني أعلي من هذا الفرض تكشف صيرورة الحياة بين فقر وغنى، بين علو وانخفاض، بين قسوة ورقة. هي ثنائيات سنراها تتكرر في أغلب نصوص محمد صالح رجب.
* عوالم مسكوت عنها:
في قصة "عروسة وعريس" يستحضر القاص عوالم مسكوت عنها، فالبنت التي تلعب مع ابن الجيران لعبة "عروسة وعريس"، لا تستوعب كم الفجائع التي ستتعرض لها بعد أن رأتها أمها تلعب مع الصبيان، وهمست لأبيها أن البنت قد فار جسدها والمفترض سترها. لم تكن البنت الغريرة تعرف مفهوم الزواج وهي تساق إلى "العم سالم" فينتهك براءتها، وتشعر بالإهانة لأنه قد تم اقتحام جسدها بلا مقدمات. يمهد القاص لتلك الواقعة برصد البيئة الفقيرة التي تنتمي إليها البنت، فالأب يفترش الأرض ويسحب أنفاس الشيشة، فيما الأم الولود، تسخن سكينا لدرجة الإحمرار وتهدد به الفتاة ثم تسوقها إلى رجل يكبرها كثيراً حتى أنه يموت بعد أشهر معدودة من الزيجة غير المتكافئة، ويتركها أرملة. قبل الاتفاق تسألها أليست فرحة بالفستان الجديد وبالمعازيم، والناس التي سترقص في فرحها فيما هي تحجب عنها حقيقة الزواج، ومعناه، وتبعاته الجسدية والنفسية. تعترف الفتاة أن ليلة الفرح كانت دامية حيث اختلط فيها الدم بالبكاء، وبعد الموت الذي حررها جزئياً من ذلك الزواج المؤلم، لم تتمكن من الخروج من بيتها؛ فشهور العدة لم تنته بعد، وبقيت محبوسة في حجرتها التي ضاقت عليها، وحين عادت لبيت أبيها حاملة حزنها، رأت الأم أن تزوجها من جديد بحثاً عن الستر.
النص يطرح عدة قضايا في صرة سردية واحدة؛ فهو يعالج فكرة تزويج البنات صغيرات السن لرجال في طور الشيخوخة، كما أنه يمس فكرة وأد البنات وجدانياً بالإسراع بتزويجهن قبل الوعي بمفاهيم الزواج، وهو كذلك يمر على موضوع "العدة" بعد موت الزوج، فما أن تنتهي منه حتى تفكر الأم، وهي تضع على وجهها قناع العبوس والصرامة، في تزويجها من شخص آخر؛ لأن وجود أرملة في بيت الأسرة معناه وجود خطر داهم حيث من الضروري أن تتستر برجل، حتى يمتنع الكلام المرسل عن كل امرأة بلا رجل.
كل هذه القضايا يتناولها الكاتب، ويطرحها لبساط البحث دون أن يصل إلى حلول فهذه ليست مهمته، وعنوان المجموعة "ضد الكسر"، تعني أن هناك في حياتنا نفوس انكسرت، وقلوب أدميت، وعقول التاثت بسبب إصرار المجتمع على التدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس، لاسيما المرأة التي تظل فاقدة الأهلية بموجب الأعراف التي تجب القوانين الرسمية.
لاحظت في هذا النص أن القاص قد تسلل برفق لبسط هذه المواجع بشيء من الهدوء، وقد حاول أن يثبت عدسته على أكثر المواضيع إيلاماً للنفس لكنه في الوقت ذاته تحدث عن الفقر، والجهل، وتقييد حرية الفتيات في مجتمع قاس لا يرحم، وهذه إحدى "الثيمات" التي تتكرر في نصوص الكاتب السردية.
* الماضي حين يكون حاضراً:
تحتشد نصوص الكاتب باقتناص لحظات مضيئة في حياة أبطاله المنكسرين تحت مطارق الزمن؛ فالبنت الصغيرة تشعر بحب الأب لها، مما يثير أخوتها، وهي عنده غالية وعزيزة حتى أنه يطلق عليها لقب "الدكتورة". هي في كنفه وتحت رعايته تشعر بالطمأنينة وبالحنان الجارف، فهي بالنسبة له "آخر العنقود"، وهو يمثل لها الحضن الدافئ، ودائماً ما يتأمل حياته ويطمح في أن يعيش حتى تصير عروسا.
يموت الأب الحنون، وتشعر البنت بفقدان عظيم، وبعد مرور عشر سنوات ترصد التحولات التي حدثت في حياتها بعد أن رحل، فقد تزوجت وأنجبت طفلا سمته باسم الراحل، وهي تستحضر أيام المرض، ونوبات الغيبوبة، وكيف أنه عندما ساءت حالته سأل عنها، لتكون صورتها آخر ما وقع عليه بصره في الدنيا. أسرع شقيقها ليستدعيها من المدرسة لكنها حضرت بعد أن فارقت الروح جسده المتهاكل.
"طيف من الذاكرة" هو عنوان هذا النص الذي يلعب بالزمن الغادر كما لعب بجسد الأب، وانتهكه تحت عوامل المرض، والكاتب يقدم ويؤخر لكنه لا يتخلى عن كون النص ذاته مرثية للأب الراحل. يأتي السرد على لسان البنت، ورغم مرور سنوات الفراق فهو حاضر في وجدانها، ولا يمكنها تصور الكون دونه. بالحيلة تجده أمامها، في ملامح هذا الرضيع التي تحمله بين يديها. وهناك رسالة يبثها النص هو انتقال العصا بين الأجيال؛ فحين يرحل الأب يأتي بعد سنوات الابن الرضيع الذي هو حفيد الراحل لتستمر دورة الحياة، ويبدو أن هذا النقص هو ديدن الحياة في تقلباتها، وتشظيها الدائم.
النص بسيط، ولغته طيعة، وجمله مقتضبة بل متقشفة لغويا، وبغض النظر عن العنوان الذي بدا رومانسياً بعض الشيء، فهناك مساحة إنسانية تظلل العمل من ألفه إلى يائه مضمخة بعذابات الفقد التي تجعل البشر محزونين بطبعهم، فقد خلقهم الرب في كبد.
* الموت هو الحاضر الدائم:
الحديث عن الموت أو حضوره المزلزل، هاجس قوي في قصص المجموعة، وهذا ليس بغريب فهو الوجه المقابل للحياة، والإنسان عندما يتأمل تفصيلات جميع ما يحدث يجدهما، أي الموت والحياة، متداخلان أشد ما يكون التداخل، ومفترقان، بلا حدود.
الحياة تعني الحركة والصيرورة والامتداد، وهي في ذات الوقت لا تنفي نقيضها الموت؛ فهو مباغت، وقوي، ولحوح. وحسب ما يرى الكاتب فإن الوجوه الراحلة تظل موجودة، مؤثرة، مضيئة، رغم ذهابها لأنها تركت أثراً لا يمكن محوه أبداً. هذا ما نتتبعه في قصة "وجع"، فالكاتب يرصد لعب بنت صغيرة وشقيقها في البيت الفقير، البائس في محتوياته الرثة؛ فهناك كرة يتخاطفانها، وصراع على من يمكنه استخلاصها، وبينما المطاردة على أشدها تسقط الكرة فوق رأس الأم المنكفئة على ماكينة الخياطة. إن رأس الأم المشغولة بهموم تدبير لقمة عيش نظيفة توجعها، ويهرع الابن وأخته للاعتذار إليها، خوفاً من العقاب المتوقع؛ خاصة بعد أن تصدر آهة نتيجة للوجع الذي تشعر به. لكن الوجع الحقيقي يتمثل في موت الأب فقد ترك فراغاً، وبدلاً من العقاب القاسي تحتضنهما، وتنظر دامعة العينين إلى صورة الأب المعلقة في إطارها فتدعو له بالرحمة. حسب خبرتي في هذا المجال، فإن الأم التي فقدت زوجها تميل دائماً إلى استعمال القسوة بل والشدة في تربية الأبناء خوفاً من أن يتسبب "الدلع" في فشلهم؛ لذا تكون قبضة الأرملة باطشة ظاهريا بينما هي حنونة، تخاف على أبنائها وتبسط لهم كفوف الرحمة.
لقد فضل القاص أن يصور المشهد بشكل مثالي، وجاء استخدام ضمير المخاطب موفقاً، والعنوان يعطي دلالات مختلفة عن "الوجع" الذي سكن قلب امرأة تعاني غياب الزوج فتعكف على تربية الأبناء بصدق واقتناع وإخلاص، كأغلب النساء المصريات اللائي ينجحن، في الغالب، في تنشئة أبناء اليتم، بما لديهم من شعور حقيقي بالاطمئنان والدفء رغم الغياب الفادح للأب.
سوف أتوقف أمام مساحة النص على قصره؛ فقد جاء مناسبا للقطة التي اختارها الكاتب، وهو ما يمثل تحدياً في إبراز الصراع الداخلي قبل أن يكون الخارج هو نقطة الانطلاق. كذلك فإن "ماكينة الخياطة" هي أيقونة المرأة الكادحة المكافحة، وهي تمثل لتلك الأسرة المتراحمة باباً للرزق، واختياراً واضحاً لتربية الأبناء، بديلاً عن زواج جديد غير مضمون العواقب.
* صورة للمقاومة:
يبرع الكاتب في رصد تلك الظواهر الإنسانية التي كثيراً ما تمر علينا مرور الكرام، فهو يقتنص صور من الحياة لمواقف إنسانية علت فيها قوة الحياة على بطش الموت وجبروته. نحن أمام مشهد صعب يتمثل في امرأة لا تملك القوة الكافية لمواجهة عنفوان الدمار، وملامح الهلاك، حيث نشعر أننا في معركة غير متكافئة بين ضدين، لكن النتيجة تكون دائما لمن يمتلك الإرادة. في نص يحمل عنوان المجموعة القصصية "ضد الكسر"، نحن في مواجهة صراع في غاية القوة والاحتدام، فهناك طفل يبدو من سير الأحداث أنه تحت الانقاض، وجدته تحاول إنقاذه، بكل ما أوتيت من قوة، متشبثة بايمان فطري، قوي، وغلاب، أنها ستتمكن من تحقيق ذلك. إنها تتحسس مكانه، تتشبث بملابسه، محاولة جذبه من تحت الركام المتناثر هنا وهناك. قلبها يدفعها لاختباره: هل مازالت أوردته وشرايينه تنبض؟
هناك ظللام دامس، وقرصتها له تعلن بقائه على قيد الحياة، تكرر المحاولة كي تنتشله من هذا المكان، وحين يتلاشى صوته تشعر بالخوف، وتؤكد لذاتها أن صمته لا يعني موته. لقد استشهد ابنها وزوجته تحت قصف مدافع أو قنابل الأعداء، وما بقي هو حفيدها الصغير، ولنلاحظ هنا المعنى الترميزي لاختيارها "الطفل"، لذلك أبت تلك المرأة أن تنكسر، وكررت محاولاتها رغم أن قواها كادت تخور، وقد تجدد أملها مع تسلل الضوء من كوة بالجدار المهدم. بات عليها أن تكرر جهودها لاسيما أن "همة" رجال الإنقاذ تمدها بخيط من خيوط المقاومة. بالفعل تنجح في انتشال الصغير، وتبتسم قبل أن يسكن جسدها، لقد نجحت في انقاذ الطفل فكتبت له حياة جديدة بينما رحلت هي.
أتصور أن نص "ضد الكسر" هو وجه آخر لقصة "الوجع" فالعنصر الفاعل هو "المرأة" والأبناء أو الحفيد يمثلون معنى الاستمرارية والبقاء، كما أن تصميم الجدة على الحفر ونبش التراب لتخليص الصغير من الجدران المتداعية هو نفسه يشبه محاولة الأم في قصة "وجع" حيث تتهيأ الأم لانتشال طفليها من وهدة الفقر ومذلة السؤال. لي فقط تعقيب على العنوان، فهو يعني أن تلك المرأة القوية بصلابتها "ضد الكسر"، وأستطيع القول أنها سيدة رقيقة وقد تكون ضعيفة جسمانياً لكن إرادتها هي الصلبة. وددت كذلك أن أعرف "من هو العدو؟". ذلك المجرم الذي أقدم على قصف المنزل وهدمه فوق رؤوس ساكنيه؟ في كل الأحوال فإن النص يدعو للتفاؤل، ويقدم لنا شخصية نسائية تمتلك قوة ما في مواجهة البطش، لكنني أتصور أن حياتها أيضاً ثمينة، رغم كل شيء. ربما أراد القاص أن يجسد حجم التضحية بموت الجدة.. أي أنه ينتصر للمستقبل بكل وضوح، وبلا تردد.
* خطاب أخلاقي:
حضور الموت الواقعي أو الترميزي يسير بخطوط منكسرة، وبأسهم صاعدة أو هابطة. يحاول شخوص تلك النصوص السردية الانفلات من مصيرهم التعس، فيتعالون على أحزانهم، متسلحين بحلم لا يغادرهم أبداً. فتاة الليل في قصة "عرايا"، تترجل من السيارة الفارهة، وتدخل الكباريه، ثم تلبس بدلة الرقص الشفافة، فترقص على أنغام الموسيقى بينما الأكف تصفق والآهات المعجبة بالجسد الفائر تتصاعد، حيث الغواية تعصف بالجمهور المترقب. بعدما تنهي فقرتها، تستبدل بذلة الرقص لتجلس في الصالة، وفيما هي تمر بين الطاولات المتراصة تتعالى تعليقات الجمهور الساخرة، لا تهتم بذلك، فكل ما تريده كأس خمر، بعدها تعود مترنحة إلى بيتها آخر الليل حيث تغط في سبات عميق، شبه ميتة. فيما يبدو فإن تلك الشخصية التي تبدو منتهكة وساقطة ومبتذلة، لديها من الأسباب ما يجعلها تفكر في نبذ حياتها الخائبة؛ فهي في مفترق طرق، إما أن تستمر في طريق السقوط أو أن تقوى على انتشال ذاتها من تلك الحياة التعيسة. تخرج إلى شرفة بيتها، فتقع عيناها على مشهد رجل وزوجته ومعهما طفل صغير، فيرق فقلبها لذلك الدفء الأسري الذي تفتقده، ومن ثم تفكر في رحلتها المؤلمة. تنزل من بيتها، تاركة المحمول، مرتدية ملابس محتشمة، تصبو إلى حياة أخرى نظيفة، وبلا خطايا.
لكن فيما يبدو فإن المجتمع نفسه يرفض صورتها الجديدة، ويصر على أن يدفعها دفعا باتجاه الخطيئة والسقوط في الوحل الذي عافته نفسها. فقد ساقتها قدماها إلى الكورنيش، حيث جلسة متأملة على الأريكة في مواجهة نهر النيل. إنها تلاحظ ما حولها، ثمة شاب بجوارها يتأمل فتاته، يتهامس وإياها ببراءة تفتقدها. هي مساحة من الجمال الغائب عنها، ودت لو أنها عثرت على مثل هذا الحب النظيف. وفيما هي تقلب الأفكار في عقلها يقترب منها شخص ليهديها وردة، قربتها من قلبها مستبشرة خيرا، كأنها عتبة ملائمة تعوضها عن حياة فقيرة، تكاد تخلو من المشاعر الصادقة. لكنها تدرك متأخرة أنه قد تسلل إليها كي يقتحم جسدها من جديد ليعيدها إلى سيرتها الأولى. حين ترفض الفتاة هذا المسلك المشين، يعايرها بماضيها، يلقي إليها جملة مرغتها في الوحل من جديد: "هتعملي علي شريفة؟!". وهي جملة تلخص تاريخ سقوطها، وفي تفس الوقت تقطع عنها كل جسر للأمل، كان عليها أن تقطعه لتصل إلى هذا الشاطئ النظيف. يالها من مأساة. يستعرضها الكاتب بعين يقظة، فيؤكد أبعاد المأساة.
نحن كمتلقين نتوقف أمام عنوان النص "عرايا"، وهو ما يعني أن المجتمع ذاته هو من يمارس البغاء حين يدفع النساء إلى دائرة الرذيلة، وهو يرفض منح فرصة التوبة لتلك الشريحة التي تعاني من وضعية اجتماعية منسحقة. إنه لا يهتم بذلك قدر اهتمامه بمتعته، وليس أبعد من ذلك. الحدث الرئيسي يقع في القاهرة، في الليل تحديداً، والفتاة البائسة المحطمة التي ودت لو خرجت من دائرة البغاء، تتعرض للعنت، وتمارس عليها صنوف شديدة الوطأة من تلميح بماضيها الأسود. هنا، يتم إسقاط حلمها في التحرر من السقوط التاريخي لتلك الشريحة المسكينة من مجتمعنا القاسي. قد يكون الموقف كله يشكل خطاباً أخلاقياً، هذا صحيح، لكنه يضرب على وتر حساس يخص تلك الإزدواجية التي يعيشها مجتمع مصاب بالانقسام أو بالشيزوفرينيا. أتصور أن النهاية المفتوحة تضع الفتاة في منطقة اختيار؛ فإما أن تتشدد مع ذاتها لتنجو من الاستمرار في السقوط المدوي، وهذا يحتاج إلى إرادة صلبة، ومواضعات اجتماعية مساندة، تدعم اختيارها الجديد، وإما أن تنهار كليا، لتكون النهاية الدامية التي يعرفها كل من قام برصد مثل تلك المسيرة الشائكة لفتيات الليل أو بنات الهوى!
* المرأة وطرائق مختلفة للصراع:
أغلب نصوص المجموعة تبحث عن المرأة في تجلياتها المختلفة. أحياناً تكون قوية، أصيلة، متناغمة مع الحياة حولها، وأحيناً أخرى تكون خارجة عن النمط الأخلاقي الشائع، فتسحب معها ضحايا بسطاء من محيط القرية أو بقلب البندر، وفي أحيان ثالثة تقف عند الحد الفاصل بين الفضيلة والرذيلة، أو بين المقدس والعهر. في قصة "على كوبري بلدنا"، نقابل تلك الإشكالية، فشباب القرية قد تعود على الجلوس على كوبري البلد للسمر وإزجاء أوقات فراغهم. هناك من كبار السن من يعتبر تلك الجلسة مفضية إلى فساد أخلاقي محقق، حيث التحديق في المارة، وإدامة النظر للنساء، والبعض يعتبر وجودهم أمان للقرية، وطمأنينة للدور الهاجعة في الظلمة. يحدث أن ترجلت من الميكروباص، امرأة شديدة الجمال، فأصابت الجالسين بالخرص من فرط جاذبيتها، لم ينبس أحد ببنت شفة، وهي تعبر المكان. مالبثت أن سقطت أرضا في مواجهة الشباب نتيجة حتمية لارتباكها الشديد، وسرعان ما انتفض أحد الشباب ليقيلها من عثرتها، وفيما هي تهم بالنهوض عاجلها بعبارة تجمع بين الغزل والإعجاب. في عتاب بين والد الفتاة وبين والد الشاب، صدرت عبارة أخرى محتجة على عودة البنت في تلك الساعة المتأخرة، وهو ما مثل إهانة لوالد الفتاة الغضوب، لذا هجم على من تفوه بتلك العبارة، وأصابه إصابة بالغة نقل على أثرها إلى المستشفى. تنتهي أحداث القصة بقرار من العمدة، يمنع فيه الشباب من الجلوس عند الكوبري، في حين يترك الكاتب لنا مهمة تصور نهاية مختلفة؛ لأن الشباب المتمرد بطبعه، سيرفض بالقطع سلب حريته.
العمدة يمثل السلطة، وحسب ظني فهناك من الشباب من يهمه أن يسقط هذا الغطاء الأبوي الذي لا يناسب العصر. ومما لاشك فيه أن الصراع هنا مستمر، ولا يمكن تحديده في صيغة واحدة. الشيء اللافت للنظر أن سبب تلك المشكلة هي المرأة بما تبعثه من صراع ينشأ دائما بين القديم والجديد، وربما بين مفاهيم أخلاقية بعضها جامد وبعضها الآخر مرن. يهمني كمتابع لحركة التحديث في القرية، أن الكاتب ترك لنا تصور نهاية من اجتهادنا، فالنص يكمله المتلقي حسب قناعاته.
لكن قصة أخرى تدير الصراع بشكل مختلف حيث تختلف أطراف الصراع تماما؛ فالزوجة الجميلة بعد أن عاشت قصة حب مع شاب من أصول قروية، وافقت على الاقتران به. بدأ يهملها وينتبه لعمله أكثر من أي شيء آخر. إنها تقف في مواجهة المرآة كي تحاول ضبط ملابسها التي ضاقت عليها، مسترجعة ما مر بها من مواقف وضعتها على حافة الانفجار. "شق القمر" هو اسم النص، لكنه في ذلات الوقت "اللقب" الذي كان يطلقه عليها الزوج قبل الاقتران بها، وقد كانت أجمل بنات الدفعة بجمالها ورشاقتها لكن بالاعتياد والتكرار فترت العلاقة؛ خاصة أن الزوج يؤخر الإنجاب لأسباب غير منطقية. إنها تدخل صراعا لا تعرف نهايته مع ذلك الزوج الذي يسلبها كافة حقوقها، ويجعلها "دمية" في يده، يريد أن يحركها كيفما شاء. تقابل هذا التصرف باحتجاج مماثل، فهي تغلق هاتفها، وترفض أن تواصل الاتصال به، وهي بداية موفقة للخروج من مداره المهين لكرامتها. هذا الصراع القوي يمكن أن نقرأه بين السطور، غير أن الكاتب يقدم وجهتي النظر فيما يشبه عريضة الحال، فهي مرافعة من كلا الطرفين، وفي النهاية يميل قليلا إلى جانب المرأة لينتصر لها، بعد أن فهمت أن القمر يمكنه أن ينشق إلى نصفين حيث لا اكتمال، ولا تحقق مثالي.
هذا الشكل الترميزي لطبيعة العلاقة الجديدة تصل بالصراع إلى منتهاه فقد ملكت أرادتها لترفض وضع التابع الذليل، وبدا خروجها إنقاذا لذاتها من التصدع، ربما على المستوى السيكولوجي قبل غيره من مدارت أخرى. ربما كان لي أن أعترض على الجانب التحليلي بالنص الذي طال بعض الشيء، وكان يمكن أن يتفتق الصراع على مواقف أو شواهد، يحدث بها الصدام على مستوى الواقع، لنكتشف جوهر الحياة في ديمومتها، وتناقضاتها التي لا تكف عن الحدوث بطرائق شديدة التنوع.
* فن "البورتريه":
يعكف الكاتب في بعض نصوصه على رسم"بورتريه" لشخصيات منتزعة من الحياة، بعد أن يضعها على محك التجربة، وهو يستخدم طريقة بسيطة للسرد فيبرز الأضداد كما نجد ذلك في قصة "الأستاذ محمدين". النص يتحدث بكل بساطة عن شخص لم ينل حظه من التعليم، ولا في تولي المناصب العليا، وبرغم ذلك فهو إنسان لبق، فعال، طيب القلب، يهتم بمظهره، بالرغم من كونه "فراشاً". تحدث الأزمة عندما يمر الأستاذ علاء، مدرس اللغة العربية، وزوجته من أمام منزله، فما كان منه إلا تحية المدرس والزوجة بعبارات الترحاب، ولقد وجدها المدرس فرصة للحط من شأن العامل الذي كاد يزاحمه في تقدير الناس له، فيصطنع مشكلة بعد أن ظن أنه يغازل الزوجة. الغريب أن رد فعل العامل عبر عن تسلحه بخلق قويم فهو لم يقابل الإساءة بمثلها بل تجاوز ذلك كلياً، وتبسم في وجه خصمه وطمأن الناس أنه لا يوجد مشكلة بينهما. حين ينهض المدرس من مقعده مستفزاً، يسير مع زوجته التي تصمت مثله لكنها تخاطبه بقرف وريبة، مستحثة إياه أن يتعطر، ويختار لنفسه ملابس مناسبة لوضعه الاجتماعي.
لقد سربت القصة خطاباً سهلاً وواضحاً عن تشكل الشخصية بغض النظر عن الوضع التعليمي، فالعامل البسيط لديه من اأدوات التحضر ما يجعله عالي الكعب عن المدرس الحاصل على مؤهل عال. وفيما يبدو فإن ميل الزوجة لرفض سلوك زوجها جاء نتيجة مقارنة سريعة بين الشخصين، الأمر الذي دفعها للاشمئزاز من سلوك الزوج، عبر جملة سريعة لخصت الأمر برمته. اختار الكاتب أن يضع عنوانا مراوغا فقد خلع لقب الأستاذية على العامل لينصفه منفلتا من واقع رث، ينظر إلى الشهادات كغاية في حد ذاتها. وقد جاء رسم تفصيلات شخصية "محمدين" بشكل احترافي، فجعل كل من يقرأ النص ينفر تماما من مثل تلك الشخصيات "المهزوزة" التي يمثلها "علاء". الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن إبراز الأضداد جاء بشكل لطيف وسهل فوضحت الرسالة دون تدخل من الكاتب إلا في حدود رسم الخيط السري للصراع. وأعتقد أنه صراع يبدأ بالجوهر ويتفاعل مع الحدث ليصل إلى الخارج أي إلى الشكلي.
أما في نص "مسيو علاء" فرسم البورتريه تم بشكل كاريكاتوري، فالمدرس خفيف الظل تعود على التعامل مع طلابه بشيء من المرح والنزق، ولم يتقدم نحو تعليمهم اللغة الفرنسية بشيء من الجدية. لذا فعندما جاءت زيارة الموجهة للفصل كان عليه ان يغير من طريقته في التدريس، وفيما يبدو فإن الوقت وقلة معارف الطلاب لم تسعفه فتفجر الموقف بشكل كوميدي صارخ والطلاب يردون على تحية الموجهة بعبارة: "بنجور مسيو"، مما يعني أنهم لا يدركون فروقات اللغة. إن رسم المشهد تم بشكل لطيف، وتمكن الكاتب من رسم بانوراما للفصل كله، ولكن تركيز العدسة كان لحساب المعلم الذي بدا متوتراً خشية وقوع طلابه في الخطأ، وهو ما حدث بشكل جماعي. وقد نجح الكاتب في تبيان مناطق الضعف في شخصية المعلم عبر موقف عملي منتزع من الحياة ذاتها. لقد غضب المدرس ولم يتمكن الطلاب من معرفة سبب ذلك الغضب وانتهى النص ولمسة الفكاهة تظلل المشهد لتمد المجموعة بشيء من المرح الخفيف حيث أزيحت المأساة للهامش وصولاً لصورة من تلك الحياة التي تعرف التنوع وتتسع للتباين.
* دوائر الفقد في نصوص حزينة:
على هذا النحو، تتعدد طرائق السرد، حيث يتم التركيز في كل نص على مسألة بعينها، عبر ترتيبات سردية تتعمق في التقاط الحدث من زاوية بعينها، لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية التي ظهرت في الفترة الأخيرة من عمر مجتمعاتنا العربية، ففي قصة "صرخة"، تتسلل العدسة بتؤدة إلى سطح بيت مفروش بالقش، حيث عشش العنكبوت في زواياه، وثمة عجوز في الخمسينيات تجلس بنظرها الكليل، ساهمة لساعات على كنبة خشبية في شرفة منزلها الطيني ذي الطابقين. مأساة تلك المرأة أن بناتها الثلاث قد متن تباعاً، وبقيت هي وحيدة، بعد أن تخلى عنها الابن الوحيد، ناسيا جذوره، وتربية الأم المخلصة له بعد موت الأب. لقد تبرأ منها هذا الإبن الجاحد بعد أن تزوج من سيدة ميسورة الحال، وسكن العاصمة، وحصل على رتبة اجتماعية أفضل. أما هي فلقد عزلت نفسها في منزلها، وهاهي تجلس وحيدة تترقب عودة ذلك الابن الغائب.
لكن قصة الجحود لم تقف عند ذلك الحد، ففي شرفة المنزل المقابل تقف شابة في العشرين من عمرها بأنوثتها الطاغية، تفتح مذياعا وتمسك كتابا تقرأه على أنغام أغنية سريعة الإيقاع. لقد حرمت على نفسها دخول بيت العجوز، خوفا من أمها، وقد جذبت الفتاة خيط الذاكرة، ولاح لها طيف الشاب الذي تنكر لها مثلما فعل مع أمه المسكينة. تتوجس الفتاة خيفة بعد أن لمحت جسد العجوز ساكناً، وما لبثت أن هرولت نحوها، لتتأكد من موتها بعد أن تخشبت جثتها. في تلك اللحظة ودت أن تحطم صورة الشاب العاق، لكنها تتراجع عن هذا الفعل فقد فرض الموت سطوته على المكان.
إن الصرخة التي أطلقتها الفتاة هي إعلان واضح وقوي عن موت حبها للابن الذي تخلى عن أمه في شيخوختها، وربما كان على تلك الفتاة أن تدفن حبها في قلبها للأبد غير أنها ظلت واقعة تحت حافة الانتظار، لتشترك مع الأم في هذا الموقف الغير منطقي. تصور القصة الجحود الذي يجعل الابن يتخلى عن ماضيه القديم، ليحاول أن يصلح أحواله بالتزاوج مع إحدى بنات الطبقات الثرية. كما أن البطل هنا ليس الفتى الطائش بل الأم التي ظلت في انتظارها دون أن تفقد الأمل.
حاول القاص أن يدين بتلك اللوحة السردية هذا المسلك المعيب الذي جعل الشاب عزوفا عن زيارة أمه. وبغض النظر عن عدم واقعية موت ثلاث بنات في حياة الأم فإن وقع الموت المتكرر، يجعل انتظار العجوز هو حالة من رفض هذا الغياب؛ فبالرغم من موت زوجها المبكر فقد قامت بالواجب، الشيء الذي خالفها فيه الابن الذكر. والعنوان "صرخة" لا يعني صرخة الفتاة الشابة في المنزل المقابل بل يعني "الصراخ" الرافض لحوادث الحياة في مواجهة قوى الشر والظلم والحيف. إذا كان الموت هو الذي ينهي تلك العلاقة التي ظلت على الحافة بين الأم وابنها الغائب، فهي في قصة "رائحة المطر" ذروة الحدث، فهناك امرأة ما تتذكر اللحظة التي طست سيارة مسرعة زجاج سيارة زوجها بالوحل فاضطربت عجلة القيادة في يده، وفقدت هي وزوجها طفليهما الذي راح نتيجة ذلك الحادث المأساوي. يبدأ النص من منطقة غائمة حيث زخات المطر المتساقطة، والتي تغسل القلوب وهي تستسلم لدموعها الغزيرة، دون أن ندرك سبب المشكلة التي جعلت الحزن يسكن قلبها. إن نار الفراق يجعلها تشعر بالفقد، ومع تتالي ذكريات الطفولة تشعر أن رائحة المطر كانت تبعث في نفسها بهجة غامضة، لكنها الآن تستعيد المشهد الدامي لتتأرجح مشاعرها بين طفولتها التي مضت إلى غير رجعة، وبين واقعها المظلل بذكريات قاتمة.
منح الكاتب انفسه مساحة للحركة بالصعود والهبوط زمنيا لتتداخل الأحداث، وليعبر من خلالها عن فقد مختلف تماماً؛ فإذا كانت المرأة العجوز في "صرخة" قد فقدت ابنها بغيابه المبني على حسابات خاطئة، فالأم في "رائحة المطر" تفقد طفلها في لحظة مأساوية لا حسابات فيها.
* النزعة الاخلاقية في نصوص اجتماعية:
لا شك أن خطاب السارد في بعض نصوص المجموعة يتجه لتقديم موعظة أخلاقية من خلال عرض حال بعض الشخصيات من منظور واقعي، وهو ما نجده في قصة " توبة"، فالقصة تتحدث عن موظف شاب يلتقط أوراق الصحف في طريقه من عمله إلى بيته ويضعها في ملف يحتفظ به، دون ان يقرأ شيئا مما جمعه. طيلة خمس سنوات يفعل ذلك بانتظام، وحين يصل المنزل يجد والديه نائمين، مما ينقذه من العتاب لعدم التزامه دينيا بالصلاة في مواعيدها. وقد حدث أن وقعت عيناه على ورقة تحمل حكاية امرأة عارية في المدينة، وكيف كانت نهايتها الماسأوية بموتها، عندها تحول الحضن الدافيء إلى سراب، وجسدها الحارق إلى كتلة من الثلج. مثل هذه النهاية الأليمة دفعت الشاب للشعور بالذنب، فبكى وقام ليتوضأ ثم صلى ركعتين لله.
مشكلة هذا النص أنه شديد المباشرة، فهو يقدم موعظة أخلاقية، تدور حول النهاية الأليمة لتلك المرأة المنحرفة، التي قرأ خبرها في ورقة مهملة، وأعتقد أن تلك النهاية المقصودة، والتي دفعته دفعا للتوبة جاءت من خارج السياق؛ فهي تمثل رغبة الكاتب قبل غيره. فما عرفناه عن الشاب أنه قد مر بتجربة زواج فاشل، الأمر الذي مثل لديه عقدة مستحكمة. لقد اهتم الكاتب بالتأكيد على النزعة الأخلاقية، وتنازل قليلا عن المغامرة الفنية في الكتابة، حيث الأهم عندنا هو القبض على حالة سردية متماسكة، دون الوقوع في فخ المثالية.
نفس الشيء نجده في قصة "تلك الليلة" والتي تتحدث عن رجل تعرض في حياته لمحنة النكوص عن حبه فقد تخلى عن فتاته خوفا من إغضاب والدته. إنه يتذكر تلك الليلة بتفصيلاتها، ويجد نفسه مشحونة بالغيظ لأنه تنازل عن حقه في الاختيار. كانت فتاته جالسة إليه منكسة الرأس، وهو يشرح لها سبب تخليه عنها، وبالرغم من أنه غلف حديثه بأدب جم فقد كان موقفا صعبا ترك في نفسه أثرا سلبيا. لقد فضل أن ينصت لكلام الأم، وأن يطيعها لأنها ربته في صغره بعد وفاة الوالد. وفيما يبدو فإن هذا الاختيار الخاطيء قد نسف خطة الحبيبين للزواج. كانت النزعة الأخلاقية التي قادت الشاب لقطع صلته بمن يحب هو الطريق المرهق للتعاسة في حياته بعد ذلك، وهو ما مثلته حالة الرجوع إلى اللحظة الراهنة حيث يعود إلى نفسه فزعا على صوت زوجته، وهي تتشاجر مع أولادها، ويكون صوتها هو الحائل بينه وبين تلك الحبيبة التي غدر بها في الماضي. بان الشاب في هذه القصة مسلوب الإرادة، فهو لم يناقش أمه، ولم يحاول التمرد عليها، لكنه تنازل عن أبسط حقوقه تحت ضغط النزعة الأخلاقية التي جعلته يفضل رضا الأم على سعادته وهي رؤية قاصرة، ولا أجدها تتحقق على أرض الواقع إلا في أضيق نطاق، وإن حدثت فيكون ذلك بالنسبة للمرأة فقط، أما الرجل فلديه من القوة والقدرة والمناكفة ما يجعله يقاوم الريح مهما بدا عاتياً.
* في الحياة.. صدمات مؤجلة:
يرصد الكاتب في بعض قصصه تلك الصدمات التي يتعرض لها البشر في الحياة دون مقدمات، أحيانا يقع شخص ما في حبائل مشكلة لم يكن يتصور أن تصيبه باضطراب عظيم، وأحيانا تجرفه مشاعر غامضة نحو قلاقل محتملة، لم تكن ملحة أو ضرورية. في قصة "انتظار" يقنع الصديق الراوي كي يقوم بإجراء فحص طبي دوري للاطمئنان على صحته، لقد عارض تلك الخطوة مبدئيا لكنه تحت ضغط الإلحاح ذهب لعيادة الطبيب مبكرا، وجلس مترقبا دوره. المشكلة أن الانتظار طال والطبيب لا يلتزم بالدور مما جعله يشعر بصعوبة في التنفس، وبزيادة ضغط الدم. حينما ينادي الممرض عليه كي يدخل حجرة الكشف، يسارع بالخروج من المكان كي يفلت بجلده، مردداً بصوت خفيض: لقد شفيت.
مثل هذا النص يعالج فكرة المشاكل التي تقتحم حياة الشخص بلا مقدمات، وقد ساق الكاتب القصة بسلاسة ويسر، وكان موفقا في اختزال الموقف، منعا للثرثرة. لقد عبر بجملة واحدة عن غضبه وقرر أن يهرب من سطوة المرض قبل أن يصيبه في مقتل. العنوان "انتظار" ذكي، فهو لا يكشف مسار القصة، ويلقي الضوء على الحالة التي تعرض لها بطل قصته بدون تطويل. أحيانا يكون اقتناص موقف ما من قلب الحياة المزدحمة بأحداثها مدخل طيع للتعبير عن قضية كبرى كحتمية الوجود عبر شعيرات دموية رقيقة في شرايين السرد.
أما في قصة "إكسير" فثمة صدمة من نوع آخر. يمكن القول انها صدمة سارة، فبطل القصة يسير في شوارع المدينة، وتلتقط اذنيه عبارة :" أستاذ.. تزوجني ". تلفه الحيرة بعد أن أصابته العبارة بالدهشة، وحين تكرر العبارة يرد عليها مبتسما : "أنا متزوج" ويشير إلى ابنه الصغير الذي كان يتبعه. تنتهي القصة بذهاب الفتاة أما هو فقد انتصب ظهره المعوج، وسار مزهوا بشبابه الذي عاد مع الدعوة الغامضة لتلك الفتاة التي ذابت في الزحام. يغلب على هذا النص خفة الظل، وتقع الكتابة في المنطقة الساخرة التي لا تبتعد عن الواقع كثيرا، ويعالج النص بشكل سريع أزمة العنوسة بتشكيل فني فيه مرح وانطلاق.
في قصة "صدى الصمت" يصنع لما الكاتب "فخا" من الجمل والعبارات التي تدفعنا للظن أنه يتحدث عن امرأة قد أهملها، ولم يعد يطيقها، فكل جملة تذهب لتأكيد هذا التوقع. في عبارة كاشفة يكتب القاص :"ما الذي ذكرك بها بعد كل هذه السنين؟ اعتقها لوجه الله، أطلق سراحها، لم تعد تناسبك، هناك من هو في حاجة إليها". وبعد تلك المهلة الزمنية تكون الخاتمة بتلك الطريقة حيث تتدخل الزوجة لحل الإشكالية : "جذبتها منه، وفي ركن الدولاب علقت "البذلة" على الشماعة وهو يطالعها، كانت لا تزال صامته". يتضح لنا أن الصراع الذي دار طيلة النص كان بين شخص ما وبين بذلته القديمة التي يريد أن يعاود ارتدائها غير أن الزوجة تضع حدا لتلك المسألة بوضع البذلة على الشماعة. هذا الشكل من الكتابة يعتمد على لعبة التوقع، ولا أفضله بتاتا، فالصدمة هنا يتعرض لها المتلقي قبل غيره، وعموما فيندر أن نستخلص حكمة أو موقفا ما بعد انتهاء العمل. ولو أنني كنت من كتبت هذا النص لذكرت من السطر الأول انني أتحدث عن "بذلة"، وهنا يكون الشد والجذب مقبولا.
* خاتمة:
مجموعة النصوص السردية التي قرأتها تتميز بالتنوع، وبسعة الأفق، وبامتلاك الكاتب لأدواته، وقدرته على بث خطاب فكري ملائم، يناوشه تشكيل جمالي حي ومرن. لا أعرف ترتيب المجموعة بالنسبة للكاتب، لكنها تشي بكاتب واسع الخيال، ملتصق بناسه، وفي نفس الوقت فإنه يضع قدمين ثابتتين على أرض الواقع الذي هو كنز الحكايات.